ترى ماذا كان يقول اليوم لو كان له عين ترى؟! ماذا تراه كان يقول، لو سمع، مثلما سمعت، بأخبار هذا الكلب العجيب سالكي أو سيكي، كما قرأت اسمه في الصحب اليومية والأسبوعية التي صورته؟ إذا كانت جوائز سباق كلابي قولت أديب زمانه وصحافي عصره شعرا، فماذا كان يقول لو رأى هذا الكلب البوليصي، وقرأ وصف العناية التي يقتضيها أسلوب حياته حتى يفلح ويقوم بمهمته على أتم وجه. فلا بد له - كما طالعت - من تدليك وتمسيد وتمشيط يوميا إلى آخر ما هنالك عدا السهو والغلط لأنهم لم يذكروا إذا كان لا بد من التعطير أيضا. وقالوا: إنه لا بد من تأمين الوقاية والأسباب الصحية للأماكن والأوعية التي يتناول فيها غذاءه، وقالوا: إن وجبة طعامه تتألف من اللحم والخضار المسلوقة، ونوع من الخبز خاص.
ألا ترى أنها نوع من الرجيم؟ تماما كأسلوب الأكل في المستشفيات، فإذا كنت لم تزرها بعد، فلسوف تذكرني إذا دخلتها بعد حين، لا سمح الله.
وأي مقال كان يكتب أديب إسحق لو درى أن هذا الكلب يتعلم كالطلاب الآدميين، وله سجل مدرسي فينتقل بناء عليه، من صف إلى صف حسب نبوغه الذي يدل عليه هذا الدفتر الخاص المبينة فيه أخلاقه، وعاداته، وعلاماته، ودرجاته. حتى إذا ما بلغ الشوط الأخير من السباقات المدرسية يحوز الشهادة. لا أدري إذا كانت هناك أيضا شهادات ثانوية وجامعية، وألقاب علمية لهؤلاء الكلاب.
وعلى كل حال قد فسح وجودهم عندنا مجالا لوظائف جديدة. فلا بد لكل كلب من ماشطات، وطابخات، وغاسلات تسهر على تسريح شعره وتنظيفه، ولا بد من ممرضات تكون أعينهن عشرة عشرة لتأمين وجبات أكله، ولا بد من ساهرات على نظافة المنزل وتمهيد الفراش والحيلولة دون زعيق الراديوات وتزمير السيارات، كما لا بد من مرافقين له في أوقات فراغه. إذن فليستعد الجنسان لتقديم الامتحان. والشرط الأول في من يتقدمن ويتقدمون إلى هذه الوظائف أن يكونوا يحسنون اللغة الإنكليزية ويخرجون الحروف إخراجا على حقه، لا بلديا كما نتكلم نحن، فأصحابنا هؤلاء لا يفهمون إلا لغة وطنهم. وسيكي ورفاقه السبعة ينبشون المجرمين ولو كانوا في قاع الأرض بشرط أن تحسن رعايتهم وسياستهم.
وقد قرأت أن الطالب النجيب من هؤلاء الكلاب تراعى في تعليمه قاعدة جدودنا القدماء: العلم في الصغر كالنقش على الحجر. فلا يقبل أحدهم في المدرسة إذا تجاوز عمره السنة مهما كان لديه من الوسائط. فهو ليس مثلنا، نحن البشر، يقبل في المدارس ولو كان طول عمود خلده.
إن هذا التعريف بضيوفنا الأعزاء - عفوا، بل بالذين صاروا، بعد اليوم، منا وفينا - واجب جدا ليعرف القارئ مع من نتكلم اليوم. والآن ننتقل إلى الكتاب المفتوح الموجه إلى زعيم هؤلاء الكلاب.
عزيزي سيكي
عم صباحا يا أخا الكلاب. لا تغضب إذا حييتك بتحية الجاهلية، فأنت وإن تفوقت على الكثيرين منا بالغريزة، فما زلت تعد غير عاقل ولا يحل عليك سلامنا. لقد شرفت جنسك أيها الكلب الذكي، وانتزعت الاحترام انتزاعا حين اهتديت إلى المجرمين من البشر، إني لأرجو أن يخجل الإنسان المجرم حين يدل عليه كلب، ويقوده صاغرا حين يطبق فكيه على ساعده.
يا زعيم الثمانية، حقا لقد ذكرتنا بمجد كلب أهل الكهف، بل تعاليت عليه علوا كبيرا. قال بولس الرسول: على فم شاهدين أو ثلاثة تقوم كل كلمة، وأنت بلا كلمة ودون أن تلفظ مقطعا من كلمة، تقوم شهادتك. فماذا ينفع الإنسان نطقه إذا كانت لا تقبل شهادته مفردا وتقبل شهادتك أنت وحدك! لقد رفعت اسم الكلاب عاليا يا عزيزي. وهل يحق لنا، نحن البشر، بعد هذا، أن نعير ونحقر بعضنا بكلمة يا كلب! أما صار بعضنا تحت رحمتكم! ترى هل لنا أن نطعن بشهادتكم؟ وإلا فأين ذهب اجتهاد المحامين وهل له دور في شرع الكلاب؟ أنت كلب بشهادة، فصارت شهادتك لا ترد، والمليح فيك أنت لا تحابي ولا تمالئ. تشم وتحكم حكما مبرما فلا اعتراض ولا استئناف ولا تمييز. وأحسن ما في الأحسن فيك أنك لا تراعي في المنام خليلا. تفعل بوحي من منخريك، وأذناك لا تقبلان واسطة أحد لا من رجال دين ولا من رجال دنيا ... الحاكم منخرك، والمنفذ فكك. قيل قديما: مقتل الرجل بين فكيه، أما اليوم فصار مقتله بين فكيك. ولكن بحياة والدك خبرني: هل أنت معصوم؟! وإذا أخطأت يا كلب، فخطيئتنا برقبة من تكون؟!
وبعد يا عزيزي سيكي، ترى أتعرف حلال العملة من حرامها؟ وهل إذا شممتها في المصارف حيث تودع أمانة في صناديق حديدية يرسم أصحابها، أتقدر أن ترشد إليها؟!
Página desconocida