إن ملتن صاحب (الفردوس المفقود) كان معلما ومستخدما في بعض أعمال الحكومة ككاتب سر، فكان ينظم أناشيده الخالدة في بضع دقائق يختلسها من خلال أعماله المتراكمة.
وبقي غلادستون طول حياته يحمل في جيبه كتيبا يطالع فيه كلما سنحت له دقيقة فراغ. إن ساعة تنتزع كل يوم من ساعات اللهو، وتستعمل في ما يفيد تمكن كل امرئ ذي مقدرة عقلية أن يتضلع من علم بتمامه. وساعة واحدة تمكنك من مطالعة عشرين صفحة مطالعة تمعن وفهم، وإذا ثبت على هذا العمل عاما تطالع سبعة آلاف صفحة أي ثمانية عشر مجلدا كبيرا في السنة . إن هذه الساعة التي تحصل عليها بسهولة فائقة تصير من هو غير معروف، شهيرا، ومن هو غير نافع مفيدا. إن هذه الساعة تحول الحياة الفارغة إلى حياة حافلة بالأعمال المفيدة، فنابليون لم يكن يسمح لنفسه بالنوم أكثر من أربع ساعات. وحياة رافائيل القصيرة التي لم تتجاوز السبعة والثلاثين عاما عبرة لمن يعتذرون عن تضييعهم حياتهم عبثا، وحجتهم أنهم ليس لديهم وقت.
قال شيشرون: إن ما يخصصه غيري من الوقت للولائم واللهو أخصصه أنا لدرس الفلسفة.
إن أشد ما في إضاعة الوقت من الضرر هو خسارة القوة، فالأعصاب تصدأ بالبطالة. إن للعمل نظاما، أما الكسل فليس له نظام.
قال فرنكلين: إذا كنت تحب الحياة فلا تضع الوقت سدى، لأن الوقت هو المادة المصنوعة منها الحياة.
قد تقول يا عزيزي، إنه لم يذكر الأخلاق في كلامه! بلى، إن كل ما حثثتك على عمله لا يدرك إلا بالأخلاق المتينة، وقلما وجدت رجلا يمشي على الخطة التي رسمتها لك إلا وهو صاحب أخلاق رفيعة. فالأخلاق قوة ونفوذ، وهي تقف خلفنا لتحمي ظهرنا في كل معترك.
وأخيرا أوصيك بالتدقيق وإتقان العمل، ففيهما تبلغ ما تصبو إليه من شهرة وثروة. فالتدقيق هو أخو الاستقامة التوءم. قال إمرسون: إذا كان امرؤ يجيد تأليف كتاب، أو إنشاء خطبة، أو صنع مصيدة للفأر إجادة يمتاز بها على جاره، فإن الناس يشقون طريقا نافذا إلى بيته، ولو بنى منزله في الغابات.
فأتقن إذن كل عمل تقوم به، ففي هذا فلاحك ونجاحك، ولا تضع الدقيقة التي قيل من أجلها: الوقت من ذهب. إن كل ما ترويه الأساطير عن الكنوز المرصودة، ما هو إلا رمز يعرض لنا من فرص لا نغتنمها، فتذهب ولا تعود.
Página desconocida