Four Mendicant Orders
5
عداء مستحكما باعتبارها الطوائف الداعية إلى تعميم الجاهلية وجمود الفلسفة الاسكولائية وباعتبارها معادية لدراسة الكتاب المقدس في أصله اليوناني، وهو الأصل الذي كان إرازموس وكوليت يعتبرانه معيار الصدق الديني.
ولننظر إلى بعض ما كتبه إرازموس في هذا الباب، وهو الذي يفصح إفصاحا صريحا عن عداء لا هوادة فيه للكهنوت؛ ففي الكتاب الذي كتبه باللاتينية وأعطاه عنوانا ساخرا هو «تقريظ الحماقة»، نراه يدين الرهبان «لأنهم يراعون مراعاة شديدة ويحافظون بكل ما أوتوا من قوة على كثير من الطقوس السخيفة البلهاء والقواعد التقليدية التافهة العجفاء.» ويؤكد أن المسيح لم يكن ليكترث إطلاقا لهذه الطقوس والقواعد، وهي التي توسل بها هؤلاء ليكفلوا لأنفسهم معيشة بذخ وترف، و«التهام اللحم وملء البطون حتى كادت تنفجر.» وهو لا يعفي قسس الطوائف «الحقراء» (الذين يعيشون على الصدقات) ويسخر من وعظهم سخرية مريرة قائلا: «إن أسلوبهم في الوعظ برمته يوحي بأنهم قد تلقوا دروسا من الدجالين الطوافين، وإن كان الدجالون لا شك يتفوقون عليهم كثيرا.» ويواصل إرازموس هذا الهجوم على امتداد صفحات وصفحات.
فإن كان هذا الرجل، الذي يعتبر أعظم عالم في أوروبا وأشد أبنائها ثقافة ورقة طبع، والذي كان يحط من قدر الخطوات الثابتة القوية والمباشرة التي اتخذها مارتن لوثر، يستطيع أن يكتب مثل هذا الكلام باللاتينية عن الرهبان وقسس الطوائف، فلنا أن نتخيل نبرة الكتاب الشعبيين الذين هاجموا الكهنوت والذين وجهوا كلامهم إلى أبناء الشعب الإنجليزي بلغته الوطنية.» لقد دارت المطابع وأصدرت العديد من أمثال هذه الهجمات، وأثارت في هجماتها طمع الناس من غير رجال الدين وطموحهم إلى الثراء الفاحش والممتلكات الشاسعة للكنيسة، والتي كانت قد فقدت منذ فترة أهم أسلحة دفاعها عن حماها، ألا وهو سلاح النفوذ المعنوي والرهبة الدينية.
وعلى سبيل المثال فقد نشر سايمون فيش كتيبا بعنوان «ابتهال الشحاذين»، قبل تأميم الأديرة بسنوات قليلة ، وقرأ هنري الثامن ذلك الكتيب دون أن يظهر أدنى استياء منه، وقرأه أبناء لندن فأعربوا عن ابتهاجهم البالغ به، وهو يتوجه فيه بالخطاب إلى الملك قائلا: «في العهود الغابرة لأسلافك النبلاء، تسلل إلى مملكتكم في مكر ودهاء، نوع آخر من الشحاذين والمتشردين الذين يلبسون مسوح القداسة ولا يزاولون أي مهنة، وهي مسوح زائفة قوية وبالغة التأثير (ولا يشوبها أي ضعف) ... وهم الأساقفة، ورؤساء الأديار، ومقدمو الأديار، والشمامسة، ورؤساء الشمامسة، ومعاونو الأساقفة، والكهان، والرهبان، ورجال الكنيسة، وقسس الطوائف، وبائعو صكوك الغفران، والمحضرون الكنسيون، ومن ذا الذي يستطيع أن يحصي عدد هذا الضرب العاطل الهدام من الرجال الذين أخذوا (بعد أن نبذوا كل عمل يمارسه الإنسان) يسألون الناس إلحافا حتى تمكنوا من الاستيلاء على أكثر من ثلث مملكتكم كلها؟ فهم أصحاب أجمل المقاطعات والمساكن، وأخصب الضياع والأراضي. وهم يستولون إلى جانب ذلك كله على نسبة العشر من كافة المحاصيل، ومن المروج والمراعي والكلأ والصوف والمهور والعجول والحملان والخنازير والإوز والدجاج ... بل إنهم ليحرصون بالغ الحرص على الدقة في تحصيل هذه الأرباح، حتى إن الفلاحة الفقيرة يجب أن تقدم إليهم عشر عدد البيض جميعا وإلا حرمت من حقوقها «المقدسة» في عيد الفصح، واعتبرت مارقة في الدين ... ترى ما مقدار النقود التي يحصل عليها المحضرون ابتزازا كل عام؛ إذ إنهم يعلنون الناس بالحضور إلى محاكم ممثلي الأساقفة، ثم يعفونهم من طلب الحضور لقاء مبلغ من المال؟ ... ومن تلك التي تقبل العمل بيديها مقابل ثلاثة بنسات في اليوم إذا كان في وسعها أن تحصل على عشرين بنسا في اليوم على الأقل في اليوم لقاء النوم ساعة مع قس من قسس الطرائف أو راهب أو كاهن؟»
والنتيجة التي ينتهي إليها مؤلف الكتيب هو «ضرورة الاستيلاء على ثروة الكهان وخصوصا ثروة الرهبان وقسس الطوائف، لصالح الملك والمملكة، وضرورة قيامهم بالعمل مثل غيرهم من الرجال، بل والسماح لهم بالزواج حتى يتسنى لهم أن يتركوا زوجات الآخرين في حالهن».
G. M. Trevelyan,
English Social History , pp. 100-103.
والذي نستشفه من تأمل المهاد التاريخي لأحداث المسرحية أن إنجلترا كانت تشهد تغيرا بطيئا ولكنه ثابت الخطى نحو الإصلاح الديني، ويتجلى ذكاء شيكسبير في تجميع أحداث 13 سنة أو أكثر في عمل درامي لا يستغرق عرضه أكثر من ثلاث ساعات، إذا رأينا كيف يجعل الملك ممثلا لطموح الشعب في إسقاط سلطة الكهنوت، ويجعل وولزي ممثلا للكهنوت الذي ينتهي به الأمر إلى السقوط! وتتجلى عبقريته الدرامية في إيجاد مساحات الألوان «الرمادية»؛ أي التي تجمع بين الأبيض والأسود بدرجات متفاوتة، فهو ينصف وولزي على لسان خادم الملكة بعد أن يعرضه لأشد ألوان القدح على لسانها وعلى لسان الآخرين. وهو يجعل الملك شديد التمسك بالعقيدة السلفية، شديد العداء لمارتن لوثر وأتباعه، وللهراطقة المارقين، حتى وهو يقدم على الإصلاحات الدينية التي يعرفها المتفرج أو قارئ المسرحية. وهو في هذا يؤكد الحقائق التاريخية التي يرويها تريفيليان: «كان الرأي العام في إنجلترا، بين عامة الشعب خارج الكنيسة وبين رجال الكنيسة أنفسهم، يموج بتيارات متغيرة ومتضاربة؛ أي إنه لم يكن قد انقسم في عهد هنري الثامن إلى حزبين ثابتين، حزب الإصلاح والحزب الرجعي، بحيث يمكن التفريق بينهما بوضوح. وفي خضم هذه الأمشاج المختلطة تمكن الملك من فرض مذهبه الذي يضم العناصر المحددة التي انتقاها من هذا وذاك؛ فإن سياسته المناهضة للبابوية والأديرة لم ينقذها من الفشل إلا كبار النبلاء المحافظين، مثلما حدث في عام 1539م، عندما قامت الثورة في الشمال، التي عرفت باسم «حركة الحج المبرور»؛ إذ تصدى لها لورد نورفوك، ولورد شروزبري، والأسقف جاردنر والأسقف بونر، وكل منهم كان لا يقل حدبا عن الملك على إحراق أتباع مارتن لوثر. ويذكر راوز في كتابه عن تاريخ مقاطعة كورنوول تحت حكم أسرة تيودور (ص222)
Página desconocida