لقد تغير بعض أفكاري خلال الفترة التي قضيتها مع خالتي وزوجها؛ فعلى سبيل المثال: لم أعد شخصية غير ناقدة لأشخاص مثل مونا، أو لمونا نفسها، ولموسيقاها، وحياتها المهنية. فلم أعد أعتقد أنها شخصية استثنائية، أو كانت كذلك، لكني أستطيع أن أتفهم كيف أن بعض الأشخاص قد يرونها كذلك. ولم تكن المسألة تتعلق ببنيتها الضخمة، وأنفها الأبيض الضخم، والكمان والطريقة المضحكة التي تحمله بها؛ وإنما الأمر يتعلق بالموسيقى نفسها وحبها الشديد لها. إن ولع المرأة الشديد بشيء ما قد يجعلها تبدو سخيفة.
لكن ذلك لا يعني أنني اعتنقت طريقة تفكير زوج خالتي بالكامل؛ إنما كل ما في الأمر أنها لم تعد غريبة جدا بالنسبة إلي كما كانت من قبل. بينما كنت أنسل ذات مرة من أمام غرفة نوم خالتي وزوجها المغلقة في الصباح الباكر في أحد أيام الآحاد، وأنا في طريقي لكي أحضر واحدة من كعك القرفة الذي كانت تعده خالتي في ليلة كل سبت، ترامت إلى مسامعي أصوات لم يصدر مثلها عن أبي وأمي أو عن أي شخص آخر، كانت أصوات همهمات وصيحات ممزوجة بالمتعة التي توحي بالاشتراك في اقتراف شيء ما، وتوحي بحالة من التقصير أربكتني وأحبطتني.
قالت الخالة دون: «لا أعتقد أنه سيأتي الكثيرون من تورونتو إلى هنا. وحتى آل جيبسون لن يتمكنا من المجيء أيضا؛ فالزوج لديه اجتماع، والزوجة لن تتمكن من تغيير جدول حصص طلابها.»
آل جيبسون هما من يقطنان بالمنزل المجاور لنا، وقد استمرت صداقتنا لهما لكنها كانت محدودة؛ فلم تكن هناك زيارات متبادلة بيننا وبينهما.
قالت لي فتاة بالمدرسة: «انتظري حتى يجعلوك تلقين النظرة الأخيرة عليها؛ فلقد كان علي أن ألقي نظرة على جثمان جدتي، وقد فقدت الوعي بعدها.»
لم أسمع من قبل عن النظرة الأخيرة هذه، لكني استطعت أن أخمن ما يجب أن تكون، وقررت أن أنظر لجثمان مونا بمؤخرة عيني وأتظاهر بأنني أحدق فيه.
قالت الخالة دون: «ما دامت الكنيسة لا تحتوي على تلك الرائحة العطنة، فإنها لن تؤثر على الجيوب الأنفية لزوجي.»
لم تكن هناك أية رائحة عطنة، ولا يوجد أي أثر لرطوبة شديدة تتسرب من الأرضية والجدران الحجرية مما يوقع الكآبة في النفس. لا بد أن أحدهم قد استيقظ في الصباح الباكر وأدار جهاز التدفئة.
امتلأت المقاعد تقريبا عن آخرها.
قالت الخالة دون بصوت هادئ: «هناك كثير من المرضى الذين يعالجهم زوجي جاءوا إلى هنا، هذا شيء لطيف. ما من طبيب آخر في البلدة يفعل المرضى من أجله شيئا كهذا.»
Página desconocida