عمدت إلى إغاظة راي، وتساءلت إن كان وصفه للعالم الخارجي كما تصوره الأفلام هو الذي جعل فكرة الهروب تخطر على بالها.
لم يفصح راي عن مدى الحزن الذي شعر به عندما فقدت الفتاة، وهو نفسه كان بالكاد يصدق مشاعره تلك؛ لكنه بالطبع شعر بالارتياح عندما علم بما حدث.
لكنها في كل الأحوال قد رحلت؛ رحلت على نحو غير مألوف ولا يحمل في طياته أي أمل للرجوع على الإطلاق. والشيء السخيف هو أنه شعر بالإهانة؛ كما لو أنها كان بمقدورها أن تقدم على الأقل ولو تلميحا إلى أن هناك جانبا آخر في حياتها.
وسرعان ما رحل أيضا والداها وكل إخوتها، وبدا أن ليس هناك من كان يعرف إلى أين ذهبوا. •••
لم يغادر القس ولا زوجته البلدة عندما بلغ سن التقاعد.
لقد استطاعا أن يحتفظا بنفس المنزل وما زال أهل البلدة يشيرون إليه ببيت القس، بالرغم من أنه لم يعد هكذا الآن. فقد اشتكت زوجة القس الجديد الشابة من بعض جوانب المنزل التي لم ترق لها، وبدلا من أن يصلح مسئولو الكنيسة المنزل، قرروا أن يشيدوا منزلا جديدا حتى لا يمكنها أن تشتكي مرة أخرى. وبيع المنزل القديم إلى القس السابق بثمن منخفض، فخصص حجرة به لابنه الموسيقي وزوجته ليقيما بها حينما يأتيان للزيارة هما وأطفالهما.
كان قد أنجب طفلين، وقد ظهر اسمهما في الجريدة عندما ولدا. جاء الولد أولا ثم البنت، وكانا يأتيان للزيارة بين الحين والآخر بصحبة ليا فقط؛ فالأب كان دائما مشغولا برقصاته أو لأي أسباب أخرى. ولم يلتق بهم راي أو إيزابيل خلال تلك المرات.
تحسنت حالة إيزابيل، بل كادت تكون طبيعية. وكانت تطهو وجبات شهية، حتى إنها هي وزوجها قد زاد وزنهما، وكان عليها أن تتوقف عن ذلك، أو على الأقل تطهو تلك الأطعمة الدسمة على نحو أقل. كانت تلتقي بنساء أخريات في البلدة من أجل قراءة ومناقشة ما يسمى بالكتب العظيمة، التي تعد أهم كتب الأدب الغربي. لم يفهم بعضهن كيف سيتم هذا، وتركن المشاركة في ذلك، ولكن بعيدا عنهن حققت تلك اللقاءات نجاحا مدهشا. وكانت إيزابيل تضحك بسبب الغضب التي سيعم السماء وهن يتناولن ملحمة دانتي المسكين.
ثم تعرضت لبعض حالات الإغماء أو ما يشبه الإغماء، لكنها لم تذهب للطبيب حتى غضب منها راي، فزعمت أن حدته هي السبب وراء مرضها. ثم اعتذرت له وتصالحا، بيد أن قلبها لم يرتض ذلك وقررا أن يتم إحضار ممرضة ممارسة لتمكث معها حينما لا يكون راي موجودا بالمنزل. ولحسن الحظ، كان لديهما بعض النقود تحصلا عليها - هي من إرث لها، وهو نتيجة لزيادة بسيطة في راتبه - بالرغم من استمراره في العمل في وردية الليل فقط.
وفي صباح أحد أيام الصيف، وهو في طريقه إلى منزله، مر بمكتب البريد ليرى إن كان قد تم فرز البريد أم لا؛ ففي بعض الأحيان كانت ينتهي الفرز بحلول ذلك الوقت، وفي أحيان أخرى لم يكن يحدث هذا؛ وفي ذلك الصباح لم يحدث هذا.
Página desconocida