لكن لم تكن كلمة «كنا» هي ما يهم، ولم تكن هي التي خبرتني بالحقيقة، لكنها النبرة الذكورية التي كان يتحدث بها إلى السائق، بجانب اعتذاره الهادئ والمنطقي. كنت أتمنى الآن لو نعود إلى ما كان يقوله قبل ذلك، عندما لم يلاحظ حتى تلك الشاحنة وهي تحاول أن تركن؛ فما قاله حينها كان فظيعا، لكن إمساكه المحكم بعجلة القيادة وشروده وصوته كانت جميعها أشياء تشي بما داخله من ألم. لم يكن يهمني ما قاله وما كان يعنيه؛ فقد كان حديثه نابعا حينها من نفس المكان السحيق الذي تحدث منه عندما كان معي في الفراش، لكنه لم يكن هكذا الآن بعدما تحدث إلى رجل آخر. أغلق زجاج السيارة وأولى اهتمامه للسيارة كي يخرجها من تلك المساحة الضيقة وينقلها إلى مكان لا تحتك فيه بالشاحنة.
وبعد لحظة شعرت أنني كنت سأسعد حتى بالعودة إلى ذلك الوقت الذي أدار خلاله عنقه للخلف كي يرى ما وراءه؛ فذاك أفضل من القيادة، حيث إنه كان يقود الآن، عبر شارع هنتسفيل الرئيسي كما لو أنه لم يكن هناك المزيد ليقوله أو يقدمه.
قال حينها إنه لا يستطيع القيام بذلك.
أخبرني أنه لا يستطيع إتمام الأمر.
وليس بمقدوره شرح الأسباب.
إنه مجرد خطأ.
اعتقدت أنني لن أتمكن مطلقا من النظر إلى أي أحرف متعرجة تشبه تلك الموجودة في اللافتة التي تشير إلى إمكانية شحذ المزالج بالمتجر، أو النظر إلى الألواح الخشبية القوية التي تثبت على شكل حرف إكس كتلك المثبتة على درجات المنزل الأصفر المواجه للمتجر؛ دون أن أسمع صوته. «سأصطحبك بالسيارة إلى المحطة الآن، وسأشتري لك تذكرة إلى تورونتو، وإنني واثق من أن هناك قطارا متجها إلى تورونتو في وقت متأخر من بعد ظهيرة اليوم. وسأختلق قصة مقبولة جدا لأجعل أحدهم يحزم أشياءك، ولتعطيني عنوانك في تورونتو؛ فأنا لا أعتقد أنني قد احتفظت به. أوه، وسأكتب توصية عنك؛ فقد أديت عملا جيدا. صحيح أنك لم تنهي الفصل الدراسي على أية حال، لكني لم أخبرك بعد بأن الأطفال سينقلون؛ فكل أنواع التغييرات الكبرى تتم في وقت واحد.»
تغيرت نبرة صوته لنبرة جديدة تعبر عن ثقة في النفس؛ نبرة قاسية من الارتياح. كان يحاول أن يكبح جماح ذلك ولا يعبر عن ارتياحه حتى أنصرف.
أخذت أتطلع إلى الشوارع، وكان الأمر أشبه بمن يساق إلى مكان إعدامه. لا ليس بعد، بعد فترة قليلة. ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي أسمع صوته فيها. ليس بعد.
لم يكن بحاجة لأن يسأل عن الطريق، وتساءلت بصوت عال إن كان قد اصطحب العديد من الفتيات إلى محطة القطار من قبل.
Página desconocida