وعرفت هنا ستة موظفين تزوج منهم هذا الزواج ثلاثة، وقد عرض علي مثل هذا الزواج فأبيت لاعتقادي أنه مناف للمروءة وأنا قادر على ضبط نفسي ولله الحمد.
26 مايو
أنا هنا في جماعة من الموظفين أستغيث بالله منهم. كلما اجتمع بعضهم ذكروا الغائبين بالسوء في سيرتهم وبيوتهم، ويظهر أن سبب ذلك أن الحكومة تجعل من بين عقوباتها نقل الموظف الذي أساء السيرة إلى الواحات أو إلى أقصى الصعيد، فكأن سكان هذه البلاد قد حكم عليهم ألا يروا موظفا صالحا، ولم ينطبق علي هذا القول لأن القضاة الشرعيين كانوا إذا نقلوا إلى هذه البلاد البعيدة أتوا بشهادات طبية تثبت أن جو هذه البلاد لا يلائمهم. فلما ضاق مدير الإدارة الشرعية ذرعا بذلك عزم أن يعين في الواحات الجدد الذين يقدمون عند تعيينهم شهادات صحية تثبت لياقتهم، وقلما اجتمع هؤلاء الموظفون من غير أن يتسابوا أو يتضاربوا، وقد وضعت لنفسي خطة ألا أسايرهم في القول ولا العمل وأن أتحاشى الاجتماع بهم إلا عند الضرورة.
28 مايو
عملي في المحكمة قليل جدا، فكثير من الأيام يمر من غير عمل، أو بإمضاء ورقة أو ورقتين، وعدد القضايا قليل، وأكثر المنازعات يفصل فيها العمدة أو الرجال المعروفون بينهم، ومن عادتي أن أذهب إلى المحكمة كل يوم في الساعة التاسعة والنصف صباحا، وكثيرا ما يأتي زائرون من موظفين وأهال فأجالسهم إلى الساعة الثانية عشرة ثم أعود إلى منزلي وأتغدى وأنام قليلا فأقرأ في بعض الكتب إلى الساعة السادسة، فأجلس أمام الباب وأقابل زائرا أو أرد زيارة أو أخرج إلى الصحراء، ثم أعود إلى بيتي فأتعشى وأقرأ في الكتب إلى الساعة العاشرة فأنام، وأصحو قبل طلوع الشمس فأقرأ جزءا من القرآن ثم أقرأ في بعض الكتب حتى يأتي ميعاد المحكمة وهكذا، والحياة يوم واحد متكرر، ويوم الثلاثاء هو اليوم الذي تحوطه هالة كبيرة. فهو اليوم الذي أرقبه طول الأسبوع: فاليوم يوم السبت، إذا بقي على يوم الثلاثاء يومان، واليوم يوم الأحد إذا بعد غد يوم الثلاثاء، فمتى يكون عصره؟ إنه الوقت الذي يحضر فيه البريد من القاهرة كل أسبوع.
31 مايو
شاهدت أمس أوروبيا في الخارجة ومعه رجل من أهلها، وقد علمت أنه يأتي كل سنة للتجارة في نوع من النبات ينبت حول الخارجة وفي بعض جبالها واسمه «السكران» يجمعه له بعض الناس ويبيعونه له كل قنطار بعشرين قرشا. وهو يصدره إلى الخارج لاستعماله في بعض الأدوية
2
والله أعلم بكم يبيع القنطار، وهكذا يستغفلنا الأجنبي دائما، ونقنع بالربح القليل دائما، ويعيش هو من مجهودنا في القصور الفخمة والثروة الضخمة.
ليس في الواحات بق، إنما يكثر فيها الذباب والناموس في موسم البلح، وفي الأسبوع الأول من سكني في بيتي رأيت فيها عقربا فقتلتها، ومساء أمس وجدت بقرب بيتنا حية يبلغ طولها نحو خمسين سنتيمترا، وقطرها نحو سنتي ونصف، سمعها الخادم وهي تنفخ في الظلماء، فأتى بمصباح وتتبعها وقتلها، ورأيتها بعد قتلها وهي تتلوى، فنغص ذلك علي وربى لي الوسواس، فأنا كل ساعة أتخيل عقربا أو حية.
Página desconocida