La vida en el Oriente: sus estados, pueblos, pasado y presente
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Géneros
ما شبه غالب الدول النصرانية في سلوكها هذا الذي ما برحت تسلكه منذ عدة سنوات إزاء الأمم الشرقية بعصابة من اللصوص يهبطون على الحال الآمنة أهلها ضعفاء عزل فيثخنون فيهم ثم ينقلبون بالغنائم والأسلاب؟ ما بال هذه الدول لا تنفك تدوس حقوق الأمم المجاهدة في سبيل النهضة؟ وعلام هذا العسف الذي تضرب به الشعوب المستضعفة، وهذا الجشع الكلبي لانتياش ما بين أيديها وما خلفها؟! إن هذه الدول الغربية النصرانية هي بعملها هذا مؤيدة للدعوى الباطلة أن القوي الشاكي السلاح يحق له الانقضاض على الضعيف الأعزل، وآتية بالبرهان القاطع على أن مكارم الأخلاق والآداب الاجتماعية لا شأن لها البتة حيال القوة المسلحة. لقد تجردت تلك الدول عن كل حسنة في معاملة الشعوب الشرقية تجردا لم يسبق له مثيل حتى بين أشد الجيوش همجية في الزمن القديم.
هل يوجد وصف أصدق من هذا لحالة الدول الأوروبية «المتمدنة»؟ لقد كانت هذه الخواطر تجول في نفسنا ونعجز عن تصويرها وإن كنا تصورناها، ولعمري إن التاريخ الوسط والحديث كليهما يؤيدان صدق هذا العالم الفاضل، فإن قبائل النورسمان التي انحطت من الشمال على بلاد الإنجليز واستعمرتها لم تكن إلا قبائل رحالة، هجامة، سارقة متلصصة، فلما عاشت وتحضرت وتدربت استمرت خلتها النفسية، وإن كانت تخفيها الثياب الرسمية والقبعات العالية، ولكن روح النورسمان الخطاف القاتل الفاتك لا تزال تخفق بين جنوبهم، وهي التي أوحت إليهم تلك الأعمال في الشرق والتي يضج منها كتاب من بني جلدتهم ويشهد بها شاهد من أهلهم.
الفصل الثاني عشر
التناسل في الشرق والحالتان السياسية والاقتصادية
الشرق الاقتصادي
وإذا نظرت إلى الشرق من حيث الفقر والغنى وعلمت أن النقاد الاجتماعيين يعتبون على الإنجليز لوجود طبقتين اجتماعيتين واحدة في أقصى الثروة والأخرى في أشد الفقر، فإنك ترى في الشرق الحال نفسها لأن الشرق مثال إنجلترا من حيث الغنى الباهظ والفقر المدقع، ما عدا طبقة صغيرة من الموظفين الذين أخذوا في العهد الأخير بفضل تراكم مرتباتهم يدخلون في الطبقة الأولى من حيث استثمار ثروتهم.
وقد ظهر هذا الفرق العظيم منذ ارتقت أسباب المعيشة وأصبحت نفقاتها لا تطاق بالنسبة للفقير وأصبح الفقير لا يجد المال الذي يكفيه نفقته، فهو مضطر لأن يقتر على نفسه تقتيرا لكي يتسنى له بذلك الحصول على قدر ما يستطيع من حاجاته الجديدة. وإننا للأسف نرى شعوب الشرق عامة ومصر خاصة لم تكن يوما بعارفة للاقتصاد ولا التوفير، بل إن الفقير منهم لا يزال مبذرا حتى يرد موارد التلف، وكان الفلاح المصري وابن البلد سواسية في إقامة الأعياد والمهرجانات والأعراس والمآتم فيبذرون حتى يرزحوا تحت أعباء الديون ويقترض من الرومي واليهودي ويبيع محصولاته قبل ظهورها بعدة أشهر، حتى إذا جاء المحصول خرج منه واضطر لقطع ثمنه بأبخس قدره ولا يلبث أن يشعر بالتحرر من الدين وتحويل بعضه إلى العام المقبل بفوائظ مركبة بعد رجاء وتوسل حتى يعود إلى الاستدانة من جديد! وهكذا دواليك إلى أن يتلاشى وينتهي بالإفلاس. وهكذا تستطيع أن تتصور مبلغ ما انتهت إليه الحال من الضيق والأزمة في سنوات 1907 و1914 و1921 و1930.
لا أنكر أن التعليم الحديث قد جاء في العهد الأخير بنتائج حسنة، فقد عادت مؤخرا من البعثات الأوروبية بضع فتيات تخرجن من جامعات إنجلترا في العلوم الطبيعية والرياضية، وعينت إحداهن في منصب أستاذ معين في كلية العلوم بالجامعة المصرية 1931، وفتحت أبواب مدرسة الطب للطالبات وهن يدرسن في المعمل والمستشفى بجوار زملائهن من الفتيان.
وقد كانت المرأة المصرية قبل ذلك مستغرقة في الجهل والغباوة، وإذا كانت هكذا فما أسوأ التربية التي تنشئ بها أولادها الذين على صدرها وبين ذراعيها! وهل من بلية أعظم من هذه البلية التي تحول دون ارتقاء الفتى الشرقي والفتاة الشرقية ارتقاء عقليا وهما يشبان في مخادع الحرم على جهل شديد يتضاءل به الاستعداد الفطري وتضيق به المدارك، لأن ما ينطبع في نفس الابن ويرتسم في لوح ذهنه وهو يرتضع ثدي أمه في السن التي يكون هو فيها أكثر طواعية ولينة منه في سائر العمر لأبقى أثرا من جميع ما يتلقاه الابن فيما بعد على المعلم، وبهذا الاعتبار ما دام نصف الشرق لم تصل إليه عوامل الارتقاء فنهضة الشرق الإسلامي على الجملة تظل ناقصة بتراء ولا سبيل إلى إكمالها ما لم يشمل التهذيب الصحيح المرأة والرجل معا.
وقد صرخ المرحوم فتحي زغلول في حفلة تكريمه في الجامعة المصرية سنة 1913 قائلا: «علموا الأمة»، فأجابه صوت: «علموا الأم تتعلم الأمة.» فإننا بتعليم الأمهات وتهذيبهن نبدل حالة الشرق تبديلا تاما، فإن البنات متى ما تلقين معارف وعلوما صحيحة مع ما يحفظنه من آيات القرآن وأدب الإسلام استطعن أن يقمن بتدبير المنزل قياما حسنا سواء كن بنات أم أخوات أم أمهات أم زوجات. إن الحياة القديمة التي كانت تقضيها المرأة فيما مضى جالسة على الديوان لاهية لا تعرف شيئا أكثر من تناول ضروب الحلواء آونة بعد أخرى ومضغ الصمغ واللبان، وماجنة مع الخوادم اللواتي حولها تارة وطورا مع صواحبها الجاهلات مثلها، والتحدث عن الزار والجن والشبشبة والرقى والتمائم والأحجبة وزيارة الأسياد، أو عن الأزياء وثمن الثياب وفائدة الأصباغ والأدوية الناجعة في إزالة الشعر وصبغه، وتطرية الوجه وصقل الأظافر، ووسائل السمن المصطنع والتدفئة أمام المنقل؛ قد انقضت وجاءت من بعدها حياة جديدة ترى فيها المرأة المهذبة رفيقا لزوجها وشريكا أمينا لا جارية ولا سلعة بين يديه. نعم إننا لا نطمع في أن تصحبنا زوجاتنا إلى حفلات الصيد والقنص، ولا في لعبة الجولف والتنس، ولا ركوب المطهمات من الخيل كما يصنع نساء الإنجليز، ولكن نطمع في أن تكون المرأة عونا لنا لا حربا علينا، وصديقة تعيننا لا عدوا يعطلنا ويقاومنا.
Página desconocida