La vida en el Oriente: sus estados, pueblos, pasado y presente
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Géneros
الخط الهمايوني
وعاد الشيخ مبارك إلى الكويت ونجا من خصومه في البر والبحر، وتعاهد مع آل سعود على آل الرشيد وما زال ينصر آل سعود حتى أخذوا الرياض وقتلوا خصمه الألد عبد العزيز الرشيد. فأخذ يرهق الرعية بالضرائب التي لم يسمع بمثلها في الشرق ولا في الغرب فشارك الأهالي بالثلث فيما يملكون أو يبيعون أو يستأجرون، وشيد القصور وفرشها بأفخر الأثاث والرياش ومتع نفسه بأنواع الملاذ. لاعب العشائر وغالبها وغازل الدولة العثمانية وأقسم لها يمين الولاء، ثم انقلب عليها وعاهد الإنجليز وأخلص لهم لينقذوه من أعدائه العرب والترك، قرب آل سعود وربى عبد العزيز ملك الحجاز الحالي في قصوره، ولكن لم يكن الحب خالصا لله بل ليضرب بهم خصمه ابن الرشيد.
أظهر الحب للعجمان ثم حاربهم وأشعلهم نارا على ابن سعود.
كان ككثيرين من الأشرار في هذه الدنيا سواء أكانوا شعبا أو ملوكا موفقين سعداء الحظ. فلما عاد إلى الكويت ظافرا وهو الخارج منها هائما على وجهه ملطخا بدماء أخويه، سبقته شهرته بالنفوذ والغلبة والانتصار على سياسة الدولة العثمانية والاحتماء ببريطانيا، فإن الإنجليز كما لا يخفى على اللبيب عقدت معه حلفا «أنجلوكويتيا» خلاصته أن لا يكون للشيخ مبارك علاقة مع حكومة أجنبية سواها، لأن البيون الخئون غيور لا تحب لأحد من رجالها أن يغازل أخرى ... والقلب لا يسع اثنتين ولو كان قلب مبارك أو خزعل ... وتعهدت هي من ناحيتها أن تحميه من كل اعتداء خارجي من البحر، وليس لها في البر شأن فلا تتدخل في شئون العشائر.
وغني عن البيان أن اندحار الترك ورجوع مركبهم بالوالي والموظفين والخط الهمايوني قد قطع علاقة الكويت بالدولة، وعلم مبارك أن الترك قد «نقعوا الخط الهمايوني» وشربوا منقوعه قبل أن يصلوا إلى شط العرب، وربما احتفظوا بالثمالة والسؤر للصدر الأعظم ووزير الخارجية بالمايين والباب العالي.
وكانت هذه المعاهدة سنة 1313 التي كتبت حتما بمداد أحمر، ليكون بينها وبين فعلة مبارك وجه شبه ولو في اللون؛ مقدمة للمعاهدة الكبرى التي حصلت عليها إنجلترا في سنة 1913 قبيل الحرب العظمى بعام واحد بين تركيا وبريطانيا، وفي تلك المعاهدة العامة تنازلت الدولة العثمانية - رحمها الله - عن سائر حقوقها في قطر والبحرين ومسقط وعمان لبريطانيا، وأخذت على عاتقها (مسكينة حامية حمى الأمم الشرقية المستضعفة!) واجب إنارة الخليج وحراسته من الأعداء! (من هم؟!)
امتد نفوذ مبارك الصباح إلى البصرة والمحمرة وصارت له كلمة مسموعة في أبي شهر مقر الوكيل الإنجليزي منقذه، ولكنه مع كل هذا النفوذ في الجزيرة والخليج وشط العرب وشاطئ فارس، ومع توفيقه في الحرب والسياسة؛ لم يكن موفقا للخير، فقد بنى لنفسه قصورا عدة ولم يبن لله سوى بيت واحد، ولم يهتم بتعليم شعبه ولا صحة أبدانهم، ولم يفعل إلا جمع المال وتبديده في ملاهيه وشهواته، ولم يخلص لأحد، وعاش ومات في محرم سنة 1334 والحرب العظمى في ضحاها 1915.
مبارك يهوى خزعلا لأنه قتل أخاه
أستغفر الله! بل كان له صديق من نوعه أحبه حبا جما صافيا هو الشيخ خزعل، فبنى له في الكويت قصرا، كما بنى له خزعل في المحمرة قصرا، لقد أعطاهما الله الملك فليتمتعا به ولتهلك الشعوب العربية ولتسقط الدولة العثمانية ولتنتشر خراطيم الأخطبوط البريطاني في كل مكان! فليس هذا بضائرهما شيئا قليلا ولا كثيرا ما دام الخوان ملآنا والدن عامرا والندامى يتقاذفون من كل فج عميق يصطحبون الغواني والراقصات من مصر والعراق والشام!
وقد كانت بينهما رابطة أخرى وهي رابطة الإجرام فقد قتل خزعل أخاه كما ذبح مبارك أخويه.
Página desconocida