La vida en el Oriente: sus estados, pueblos, pasado y presente
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Géneros
ولد في سنة 625 بعد المسيح، أي إن بين كل من هؤلاء الأنبياء الثلاثة سبعة قرون. وليس لفظ بوذا اسما إنما صفة ومعناها المنور أو المطلع أو المدرك.
وقد عارض بوذا دين البراهمة القاسي بدين مؤسس على الحنان والرحمة نحو المرأة ونحو الضعفاء والبائسين والمرضى، وصدق في مبدئه الأول وهو مكافحة الألم والشر في العالم. وقد قسمت حياته إلى اثني عشر قسما، أهمها القسم العاشر وفيه خبر ابتدائه في تعليم الدين واجتماع الرجال والنساء والأغنياء والفقراء والمرضى حوله، وإيمان كثيرين من الأمراء والحكام به، وقد أسس مدينة سرافاستي على شاطئ الجنج حيث شاد معبدا. ولا ريب في أن جوتاما انقطع للعبادة والتقشف ست سنين، وقد بدأ خلوته وهو في الثلاثين من عمره، وأنه هزم خصمه ماريا الذي جمع جيوشا جرارة لهلاكه.
وخلاصة مذهبه القول بالثواب والعقاب بعد الموت، ويسمون دار الخلود جوكورا كف، أي السعادة الأبدية، وسعادة كل إنسان تكون بحسب استحقاقه، ولا تنال تلك السعادة إلا بالتقوى والمحافظة على نواميس بوذا، وهي خمسة: (1) لا تقتل (2) لا تسرق (3) لا تزن (4) لا تكذب (5) لا تسكر سكرا شديدا.
والذين يخالفون تلك النواميس ترسل أرواحهم إلى دار الشقاء واسمها دسيجوكف ليعذبوا فيها إلى حين. غير أن العالم أولدنبرج السالف ذكره أثبت في ص33 من ترجمة بوذا وشرح تعاليمه أن هذا المبدأ مبدأ الخلود والعذاب والثواب لم يكن معروفا عند البراهمة بل منكورا بتاتا، فقد جاء على لسان ياجنا فالكيا أنه قال لامرأته: «لا تطمعي في الخلود، سوف تصيرين كالأغنياء ولكن الغنى لا يضمن الخلد، لا يوجد إدراك ولا حياة بعد الموت»، فكانت البوذية تتقدم تقدما عظيما على البرهمية، لأنها وضعت حدا للحياة وجعلت جزاء للخير وعقابا على الشر.
وقال بوذا:
كل مركب مآله إلى الفناء.
وغاية الإنسان هي الخلاص من الأوجاع والهموم. وعندهم أربع حقائق متعلقة بالألم ومصدره وتلاشيه والوسائل الموصلة إلى تلاشيه، ولهم طرائق الحقائق في ملاشاة الألم.
ومات بوذا في الثمانين من عمره، وقاومت جثته النار فلم تحرق بها، وبعد موته انقسم أتباعه إلى فرق قامت بينها بسبب تشعب الآراء حروب دامية.
وبعد موت بوذا بزمن قصير ظهر الحكيم كونفوشيوس الصيني ومعناه باللاتيني المعلم المحترم. وقد نشر تعليمه في حياته وخدم الحكومة، ولم يقل إنه نبي ولا رسول واكتفى بصفة الحكمة، ولكن أهل الصين عبدوه وبنوا الهياكل لتمجيده بعد موته، وهم يقدمون الذبائح من الخنانيص والأرانب أمام هيكله ويركعون أمام صورته، وله كتب خمسة في الكون والطبيعة والحكومة والسياسة والأخلاق والمرأة، ورجال ملته يحفظون كتبه وشرائعه ويؤدون فيها فحصا يوميا. وقد تحاشى هذا الحكيم الذي علا نجمه على نجم سقراط وإن كان قد عاش قبله أن يتكلم في العقائد الدينية، بل بذل كل جهده في تنظيم طقوس مفصلة وأقام تعاليمه من الحكمة الأدبية على أساس مكارم الأخلاق والاستقامة والعدل والأمانة والذمة. وأمامنا كتاب صغير في حكمة كونفوشيوس باللغة الإنجليزية، طبع جاي وبيرو سنة 1904 في مائتي صفحة، وقد تناول فيه الكلام على الحكومة والآداب والفضيلة والتعليم والزواج وعلاقة الأسرة وواجب الأبناء والنساء والملك والأغنياء والصداقة والرجل المتميز العبقري وواجب الحكام وتقدم الحضارة والشعر الصيني. وبالجملة قد بحث كونفوشيوس في كل شيء ولم يذكر العلاقة العظمى بين الإنسان والله، وهذا عجيب من حكيم شرقي في بلاد شرقية كادت تؤلهه.
ولكن كونفوشيوس كما قلنا لم يحاول مطلقا أن تكون له علاقة بالسماء أو بما وراء الطبيعة أو بما يبعد عن فهم الإنسان العادي، بل إنه في كثير من أقواله ينكر العناية الربانية ولا يؤمن بالبعث والخلود ولا يعترف بالنبوة، ولو اعترف بها لادعاها لأنه كان أحق أهل زمانه وأحق بني وطنه بها.
Página desconocida