La vida en el Oriente: sus estados, pueblos, pasado y presente
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Géneros
فتنبه المسلمون لحالتهم، وقام في كل قطر من أقطارهم رجال يدافعون عن أوطانهم بالسيف أو بالقلم كعبد القادر في الجزائر، وشامل في القوقاس، وعرابي في مصر، والمهدي في السودان، ويعقوب بك في تركستان الشرقية.
غير أن هذه الجهود كانت مبعثرة وغير موحدة، في حين أن أوروبا كانت كلها يدا واحدة وذات قوة منظمة، وحتى إمبراطور ألمانيا الذي كان حليف تركيا كان يجبرها على طاعة أوروبا والتسليم لها إذا حدث بين أوروبا وتركيا خلاف جدي، ولم يكن يبقي عليها إلا لتسخير جيشها لحروبه التي انتهت بدمارها وأتت على البقية الباقية من أملاكها، فلم يتدخل ذلك الإمبراطور في أية حرب نشبت بين تركيا وأوروبا، حتى حروب سنة 1912 التي فقدت فيها كل أملاكها الأوروبية بقيت ألمانيا مع الدول الأخرى تشهد مصرعها ودول البلقان الحقيرة المتوحشة تنهشها وتقترف فظائع القتل والإجهاز على الجرحى وهتك الأعراض وذبح الأسرى حتى ضج ضجيج فريق من كتاب أوروبا أمثال بيرلوتي وكلود فارير، ولم يحرك كاتب إنجليزي ساكنا.
ولما رأى المسلمون في أنحاء العالم أن أوروبا أصبحت تعتدي على الشرق في قسوة ووحشية بقصد الامتلاك والاستعباد؛ فكروا في أن الاستقلال السياسي يجب أن يسبقه التجدد الروحي والعقلي والعلمي والتربية النفسية، وأن هذا الإصلاح المعنوي هو العلاج لذلك الشقاء العظيم الذي يعانيه المسلمون من الذل والهوان في سائر أقطارهم، ففكروا في الرجوع إلى الطرق الصوفية، ولكن هذه الطرق كالنقشبندية والبكطاشية وغيرهما قد قالت كلمتها الأخيرة وخرجت تتسلل من مسرح الحياة العامة، ولن يكون لها دور تمثله في حياة الإسلام بعد ذلك، كما أنني ضعيف الأمل في الوهابية والسنوسية.
وكلتاهما طريقتان للإصلاح الديني ناشئتان في الصحراء الأولى في جزيرة العرب، أي في آسيا والثانية في أفريقيا، والطريقة السنوسية تقوى وتنمو وتعظم وتنتشر ولكنها لم تركب يوما مركبا خشنا ولم تسلك مسلكا وعرا. ومدار هذه الطريقة على تعليم أفرادها الطاعة المطلقة للمقدم والوكيل في الزوايا، فهي ترجع إلى تسويد الفرد وتحكمه وإطلاق يده، بل يعيش أفرادها تحت سلطة ثنائية المقدم والوكيل. والسنوسية بقوتها رابضة ولم تحرك ساكنا ولم تشترك في حرب ظاهرة ولم تجاهر بعدائها لأحد، فعلمها عند ربي ومستقبلها مجهول.
2
أما الوهابية فعلى العكس ظهرت بأنها قوة محاربة وقد فتح رجالها بلاد الجزيرة ويملك أحدهم الآن معظم بلاد العرب ولا يزاحمه فيها إلا الإمام يحيى، ولكن هذا الملك العربي العظيم تبقى سلطته محدودة ما دام محوطا من جميع الجهات بالقوة الإنجليزية في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وهو في الوقت الذي يضم أثناءه إلى بلاده إمارة العسير الإدريسية بمحالفة ولاء أشبه شيء بمحالفات الحماية الأوروبية تراه يعقد محالفة حسن الجوار مع ملك العراق الخاضع للانتداب الإنجليزي وتراه يحتمل ثوار الدروز على حدود ملكه «احتمالا دوليا»، فالوهابية حركة دينية حربية وهي بطبيعة الحال مقضي عليها بأن لا تخرج عن جزيرة العرب.
ويغلب على فكري أن كلا من مؤسسي الوهابية والسنوسية ظنا أن الإسلام ظهر أولا في الصحراء وخرج بقوته لفتح العالم، فأرادا تقليد صاحب الشريعة الإسلامية في كيفية التكوين البدائي.
ولكن محمدا وصحابته أتموا العمل كله في بضع سنين، وهؤلاء الوهابيون والسنوسيون مضت عليهم عشرات السنين وهم في صحرائهم رابضون، وربما كان يكون للسنوسية مستقبل في أفريقيا حيث إرشاد الزنوج الوثنيين فتكون حركتهم سائرة نحو الجنوب والغرب، وحينئذ يكون عملهم جزءا من المنهاج الذي نتمناه لأفريقيا وهو انتشار الإسلام فيها وتنظيم حياتها الاقتصادية لتخليصها شيئا فشيئا من النفوذ الغربي الظالم، ونحن إذا عرفنا أن هذا هو منهاج السنوسية نرحب بها ونشجعها ونتمنى لها النجاح، ولكن ينبغي لها أن تتضافر مع الأمم الشرقية الأخرى لتوحيد القوى وتبادل المعونة المعنوية، وتروى عن السنوسي عبارتان: الأولى قوله «الترك والنصارى إني أقاتلهم معا وأضربنهم ضربة واحدة»، وهذه الرواية لم تثبت صحتها ولم نر لها أثرا في الحقيقة.
والثانية أنه لما قام المهدي في السودان واستنصر السنوسي طرد السنوسي رسوله وأجاب هازئا: «من يكون هذا الصعلوك الدنقلاوي؟ ألا يمكنني أن أكون أنا المهدي إذا أردت ذلك؟»
ويؤيد صحة هذه الرواية أمران: الأول ما جاء في تاريخ السودان عن هذه الحادثة، والثاني أن السنوسي أعلن تكذيب المهدي وعدم تصديقه. فهذه فرصة كانت سانحة للسنوسية لمحاربة أوروبا تركتها تفوت، وربما كانت السنوسية ضعيفة في أول أمرها فلم يرغب السنوسي في معونة رجل من قارته وجنسه ودينه، كما أنه لم يرغب في الظهور بمظهر المعادي لأوروبا. ذكرت في حاشية ما كان من شأن السنوسية مع الفاشستية، فإن الطليان الذين عجزوا عن إخضاع طرابلس في عشرين عاما لقوا أثناءها الخيبة والهزيمة، أظهروا قسوتهم التي لا حد لها فخربوا زوايا السنوسية وصادروا أملاكها وداسوا حرمة مساجدها، وأعلنوا الحرب على كل من ينتمي إليها، وقد حدث ذلك كله في ربيع سنة 1931، وكانت خاتمة تلك الفواجع مقتل المرحوم السيد عمر المختار الذي أسروه وشنقوه وهو بطل جريح في الثمانين من عمره.
Página desconocida