La vida en el Oriente: sus estados, pueblos, pasado y presente
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Géneros
يدعي الكثيرون من المؤرخين وكتاب الصحف أن سقوط الحسين يرجع إلى أسباب سياسية، أهمها رفضه المعاهدة الإنجليزية التي استمرت المفاوضة بشأنها ثلاث سنوات. والحقيقة أن الحسين قبل في الساعة الأخيرة - أي في الأيام التي تخللت الاستيلاء على الطائف ومعركة الهدى - أن يفاوض الحكومة الإنجليزية في تعديل مطالبه، فجاء وفد من مكة إلى وكيل إنجلترا في جدة ولكنهم ردوه خائبا لأنه سبق السيف العذل أو الصيف ضيعت اللبن. وكانت جريدة التيمس تتشفى في المنقذ الأعظم وتقول بأنه لو وقع المعاهدة لأنقذته من ابن سعود وهذا صحيح، وإن كان أنصار الوهابي يدعون أن ذلك كان مستحيلا بعد سقوط الطائف والهدى.
كان الحسين يحتقر أمراء العرب وقد جعلهم درجات، وكان يظهر في السياسة غير ما يبطن دائما، وهو يظن أن هذا منتهى الحذق والمهارة.
وكان شديد الاعتداد بنفسه ويعتبر شخصه أعظم شخص في العالم، وكان يزعم أن الحلفاء ينفذون خطته الحربية التي يضعها في جريدة القبلة، وأن آراءه وحي منزل، وأن تفسيره لبعض آيات القرآن أصح من تفاسير كبار الأئمة كالزمخشري والطبري والرازي، وأنه يستطيع بديوانه الخاص «مخلوان» أن ينقذ العالم العربي ويؤسس الدولة الشريفية كما يستطيع (بالقبو) أن يقتص من جميع أعدائه، والقبو أحد سجون القرون الوسطى أعاده الرجل إلى الوجود وأخذ يسجن فيه من يشاء لمدة غير محدودة ولأسباب مجهولة ولغاية لا يعلمها إلا الله، وهو أشبه بالباستيل في وسط مكة! كان الرجل مغرورا وكانت حاشيته تساعده على الغرور بالمدح والنفاق. وقد اجتمعت في حاشيته الأضداد: ظلم الرعية وظلم نفسها وظلم العرب والإسلام وظلم كل من في حكومتهم، إلا المنافقين والمختلسين الذين سرقوا أمواله وأموال الأمة. وقد أقصى الرجل كل الرجال الصادقين المخلصين وأبغضهم وكرههم وكاد يهم ببعضهم قتلا وانتقاما، وبحسن نية كان يقرب الخونة واللصوص والفاسدين فخرجوا من جدة قبل خروجه وبعده وفي حقائبهم بعض ما نهبوا، وقد سلبه أحدهم عشرات الألوف أخذها باسم شراء السلاح فاشترى بها في مصر ضياعا وقصورا، وكان موظف آخر مقرب منه نهب سبعين أو ثمانين ألف جنيه وابتنى بها قصورا واشترى أطيانا وهو يعيش الآن عيشة الملوك، وكان له جملة وكلاء في مصر وغيرها فاختلسوا عشرات الألوف. وهكذا تبدد معظم المال الذي ناله الحسين سواء من الإنجليز إبان الثورة أم من الحجاج المساكين الذين كانوا يدفعون الضرائب على كل شيء وحتى صفيحة الماء بيعت لهم في بعض الأحيان بجنيه إنجليزي ذهب. ومن هؤلاء الذين سلبوا ونهبوا غير الكاتب البليغ والخطيب الفصيح والتاجر الحاذق، ترى حامل ختم الوكالة الحجازية وتاجر الغنم وقيم المطوفين، وسماسرة الجمال والشقادف. كل هذا النهب والسلب والظلم والحسين يقول لمن يطلب منه المعونة: «لا، لا، أيها النجيب، المال يفسد الرجال!»
يرجح العارفون أن الحسين وصل إلى يده من مال إنجلترا أثناء الثورة العربية مليون و200 ألف ليرة، ويقول بعضهم نقلا عن لورنس إن الحملة كلها تكلفت سبعة ملايين. وكان المسلمون في الهند - وعددهم نحو أربعين مليونا، أي يعدلون سكان إنجلترا أو فرنسا - يبذلون كل جهدهم لإنقاذ البلاد المقدسة من الظلم، فألفوا لجنة الخلافة وجعلوا على رأسها شوكت علي (الذي زار مصر في أوائل سنة 1931)، وأرسل شوكت علي إلى الحجاز بالبرقية الآتية:
إن مسلمي الهند لا يوافقون على بقاء الشريف حسين ولا أبنائه في الحجاز، وإن حكومة الحجاز يجب أن تكون ديمقراطية حرة خاضعة لرأي العالم الإسلامي، وإن جمعية الخلافة لا تعترف بإمارة الشريف علي.
وكان الإخوان الوهابيون قد دخلوا مكة في 17 ربيع أول 1343 بغير حرب ولا ضرب.
وكان ابن سعود في أول الأمر يدعي أنه لا يريد أن يملك الحجاز إنما يريد أن يحتفظ به للعالم الإسلامي!
فقال في برقية إلى علي:
أنتم تعلمون أن الحجاز للعالم الإسلامي، فلا ميزة لطائفة من المسلمين على طائفة أخرى.
وكتب للسيد أمين الحسيني، الذي توسط لديه في الصلح بينه وبين الملك علي:
Página desconocida