La vida en el Oriente: sus estados, pueblos, pasado y presente
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Géneros
وقد أصبح قياس المستقبل على الماضي والحاضر نوعا من الخطأ في التقدير، وصار استنتاج المجهول من المعلوم خرقا في الرأي ومجازفة في التعليل والتدليل، فالإنسانية حيرى ولسان حالها يقول كيف السبيل؟ فإنه لم يكد هذا القرن العشرون ينبثق نور شمسه حتى علقت الإنسانية عليه أعظم الآمال، وأفسح الأماني، وذلك بعد أن تمكنت مبادئ الحرية من النفوس، وتشبعت بها أفئدة الشعوب التي باتت ترقب ساعة الخلاص. ولم يكد ينصرم القرن 19 حتى أخذ أنصار العلم يمنون الإنسانية بعصر الذهب بعد عصر الحديد، ويشيدون قصورا من الآمال الجميلة على أسس التفكير الحديث، ويحاولون بإخلاص إقناع البشرية بأن عصور الجهاد والمكافحة في سبيل الرزق وأجيال مقاومة الطبيعة في سبيل التمتع بالسعادة بالحياة قد مضت وانقضت، وأن المدنية الحديثة قد قلبت صفحة جديدة في سجل الوجود الإنساني. وكان رجال السياسة يبشرون العالم بعهد السكينة والسلام، ويؤكدون لرعاياهم والأمم المختلفة أن قد استتب الأمن في جميع أنحاء العالم، وأن الطبيعة فتحت للإنسان كنوزها فملك ناصية الكهرباء والأثير، وصعد إلى أجواز الفضاء، كما غاص في قاع المحيط، وأن الحياة الاقتصادية ستأخذ مجراها في أفضل الظروف وأسعدها بحيث تنفرج الأزمات ويزول الضيق من العالم، وتصبح الحياة الاقتصادية مرآة تنجلي فيها صنوف اليسر والنعيم وصور الرخاء الدائم، فتتقلب الأمم في فراش من البحبوحة والهناء، وسوف يستطيع الرجل من أية طبقة كان تعليم ولده، وعلاج مرضه، وضمان شيخوخته وراحته في كبره لدى ضعفه وعجزه.
وأكد لنا المكتشفون والمخترعون أن الإنسان الحديث قد أتته الطبيعة مختارة تجرر أذيالها، فأسلمته زمامها وباحت له بأسرارها، فتناول قيادها، ووقف على ما خفي من أمرها، وتمكن بذلك من السيادة المطلقة على قواها، كما أن الدنيا قد أخرجت له خفاياها وأظهرت له ما بطن من أمرها، فاستخرج الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة من جوف الأرض، واستنطق الجماد وسخر البخار، وجلس على بساط سليمان، وقبض بيده على مفتاح أوزوريس، فصار بحق خليفة الله في الأرض لإصلاحها وعمرانها، وارتقت العلوم والفنون بأنواعها، وانتشرت الكتب والصحف في جميع الأرجاء، وتخصص رجال لكل فن من الفنون، وكادت الدنيا تبلغ غاية الكمال في زينتها وجمال مبانيها وفخامة مؤسساتها، وكان كل شيء في الحق يدعو للتفاؤل وحسن الظن بالأيام، وناهيك بجيل بدأ بنشر مبادئ الحرية والإخاء والمساواة، بفضل الثورة الفرنسية الكبرى!
ولكن هذه السعادة لم تكن، واأسفاه، إلا وهما، أو حلما لذيذا، أو برقا لامعا في دياجير الحياة! فإن ذلك الحلم لم يلبث أن زال وأعقبته يقظة فاجعة، راحت الرؤيا الجميلة وجاءت بعدها إفاقة مروعة.
وبدأت في مستهل القرن سلسلة حروب في الشرق والغرب والشمال والجنوب، بين بريطانيا والبوير، وبين روسيا واليابان، وبين تركيا وإيطاليا، ثم بين تركيا ودويلات البلقان. ولم يكد العقد الثاني من القرن العشرين يشارف على نهاية شطره الأول حتى شبت نار الحرب الكبرى التي اجتاحت العالمين وأنذرت الدنيا بأسرها بالويل والعظائم.
فغيرت الحرب وجه العالم، ولا يزال يعاني آثارها. وكان الناس يزعمون أثناء صلصلة السيوف وقصف المدافع، في الفترات التي تعقب أزيز الطيارات المهاجمة وفي جو مفعم بسموم الغازات الخانقة؛ أن الذين يصبرون على ويلات هذه الحرب ويصمدون لها سوف يجنون بعد نهايتها ثمرات السعادة والغنى المتوافر والهناءة التي ليس بعدها هناءة ... فأثبتت الأيام أن هذه التكهنات لم تكن سوى تخرصات من نوع الدعاية القائمة على أساس سياسة «سوف ترى ما يسرك» أو ما يطلق عليه بعض ساسة الإنجليز
Wait and see
.
وكان محتوما في ألواح القضاء والقدر أن هذا الحلم الثاني ينهار أيضا كسابقه، وترغم الإنسانية على مواجهة الحياة بحقيقتها، فإذا الحرب تنتهي وتجر وراءها ويلات أشد من ويلاتها إبان اشتعالها؛ ديونا وغرامات تفرض، وعروشا تثل، وطرقا جديدة للاستعمار تشرع، وعصبة أمم تتكشف عن منتهى العجز والخيبة، ومعاهدات سرية ضد الأمم الضعيفة ، وشيوعية منحوسة مجرمة في روسيا تحارب الأديان وتحتقر حقوق الملك الخاص، وتهزأ بروابط الأسرة، وتحاول المساواة بين البشر على أسس كاذبة باطلة، وغايتها سيادة بضعة أفراد على شعوب كبيرة عظيمة، ثم تفلس تلك العصبة الشيوعية في النهاية لعدم صلاحيتها، فتخجل أن تعلن إفلاسها وتضطر للمساومة في مبادئها فتبدو للعالم كالتاجر الذي يفلس مدلسا ومزورا فيستحق السجن والفضيحة!
ونحن نكتب هذه الأسطر، يقيم في القاهرة ثلاثة ضيوف كرام يمثلون مسلمي روسيا، وهم السيد النبيل سعيد بك شامل حفيد البطل العظيم المغفور له الشيخ أحمد شامل إمام مجاهدي القوقاز الذي سلخ في مكافحة الروس أربعا وأربعين سنة، معتمدا على الإيمان بالله ومستندا إلى حب الوطن.
والثاني حضرة العالم الفاضل والخطيب البليغ والذكي الأريب عياض إسحاقي بك ممثل مسلمي بلاد أورال، وهي تلك البلاد التي أنبتت فيما مضى طائفة فاضلة من علماء الإسلام وفحوله. والسيد موسى جار الله ممثل مسلمي تركستان الشرقية.
Página desconocida