La vida de las chicas y las mujeres
حياة الصبايا والنساء
Géneros
ما هي الحياة الطبيعية؟ هي حياة الفتيات في مكتب محل الألبان، حياة حفلات الهدايا والملاءات والأواني والمقالي وفضيات المائدة، ذاك الترتيب الأنثوي المعقد؛ وعلى الجانب الآخر نجد حياة قاعة رقص «جاي لا» والقيادة تحت تأثير الكحول ليلا في الطرق المظلمة، وسماع النكات التي يلقيها الرجال، وتحمل الرجال والصراع معهم بحذر والسيطرة عليهم، ولا يمكن لأحد وجهي هذه الحياة أن يوجد دون الوجه الآخر، وعبر سلوك الطريقين والاعتياد عليهما كانت الفتاة تضع نفسها على الطريق المؤدي للزواج. لم يكن هناك سبيل آخر، وأنا لن أستطيع سلوك ذلك الطريق. كلا، إنني أفضل «شارلوت برونتي». «انهضي وارتدي ثيابك وانزلي معي إلى وسط المدينة، سوف يفيدك هذا.» «أشعر بإعياء شديد.» «إنك طفلة كبيرة. ماذا تريدين؟ هل تريدين أن تزحفي إلى حفرة تقضين فيها باقي حياتك؟»
منذ ذلك اليوم، بدأت صداقتنا تذوي، صارت كل منا لا تتردد على منزل الأخرى. وحين التقينا في الطريق في الشتاء التالي أطلعتني - وهي مرتدية معطفها الجديد وحوافه من الفراء وأنا أحمل كومة الكتب المدرسية - على آخر مستجدات حياتها؛ أنها كانت ترافق أحدا لم أسمع عنه من قبل، شخصا ما من بورترفيلد أو بلو ريفر أو تابرتون. أما بيرت ماثيوز فقد هجرته سريعا؛ فقد اتضح أن دوره كان يقتصر على مرافقة الفتيات الصغيرات في أول موعد لهن، وكان يلاحق فقط الفتيات الصغيرات عديمات الخبرة، برغم أنه لم يضايقهن قط أو يورطهن في أي مشاكل ، مع كل ثرثرته. وأخبرتني أيضا أن كلايف تعرض لحادث سيارة وبترت إحدى ساقيه من أسفل الركبة وقالت: «لا عجب في ذلك، فهم يسرفون في احتساء الكحول، ويقودون كالحمقى.» كانت تتكلم بتسليم أمومي، بل وبفخر، كأن الإفراط في الشرب والقيادة كالحمقى أمر لا غبار عليه، شيء مؤسف لكنه ضروري. بعد فترة توقفت عن تقديم تقارير ما تحرزه من تقدم لي. فكنا نتقابل في جوبيلي وكل ما نقوله لبعض هو «مرحبا.» أحسست أنها تجاوزتني كثيرا فيما افترضت بقلق والتباس أنه العالم الحقيقي، كما تجاوزتها أنا كثيرا في كل فروع المعرفة المتخصصة البعيدة عن الواقع عديمة الجدوى، التي تدرس في المدارس. •••
كنت أحصل على أعلى الدرجات في المدرسة ولم أكتف منها أبدا؛ فكلما كنت أعود إلى بيتي محملة بشهادات لأعلى الدرجات، كنت أفكر في كيف أجني المزيد منها. كانت تبدو لي ملموسة وذات ثقل كالحديد، وكنت أجمعها حولي كمتاريس، وإن حدث وفقدت إحداها كنت أحس بفجوة خطيرة.
في القاعة الرئيسة للمدرسة الثانوية، حول قائمة الشرف لأسماء الطلبة السابقين الذين قتلوا في المعارك ما بين عامي 1914 و1918 وبين عامي 1939 و1945، علقت لوحات خشبية، كل لوحة خاصة بصف معين، وفي كل لوحة علامات فضية صغيرة تحمل أسماء الأوائل كل عام، وتظل هكذا إلى أن يختفي أصحاب هذه الأسماء في الوظائف وأعباء الأمومة. كان اسمي مكتوبا لكن ليس في كل سنة، ففي بعض الأحيان كان جيري ستوري يتفوق علي؛ فقد كان معدل ذكائه هو الأعلى في تاريخ مدرسة جوبيلي الثانوية وجميع المدارس الثانوية في مقاطعة واواناش. والسبب الوحيد الذي كان يمكنني من التفوق عليه هو أن انشغاله بالعلوم جعله ضيق الصدر تجاه تلك المواد التي يصفها باسم «مواد الحفظ» (اللغة الفرنسية والتاريخ) بالإضافة إلى الأدب الإنجليزي - وأحيانا ينسى أمرها تماما - الذي كان يثير ضيقه كما لو أنه إهانة شخصية.
كنت أنا وجيري ستوري نتناغم معا، كنا نتحدث معا في الأروقة، ونشأ بيننا تدريجيا نوع من المزاح، ومصطلحات ومجموعة من الموضوعات التي لا يشاركنا الاهتمام بها أحد آخر. كان اسمانا يكتبان معا في الصحيفة المدرسية الصغيرة التي تكتب بالآلة الناسخة وتكاد تكون غير مقروءة. الجميع كانوا يروننا ملائمين لبعضنا، وكانوا يطلقون علينا أسماء «فريق الخبراء» أو «العباقرة»، ويفعلون هذا بقدر من الازدراء تعود جيري على التعايش معه أكثر مني. كنا نشعر بكآبة لأن الطلاب كانوا يعتبروننا العضوين الوحيدين من نوع غريب من الكائنات الموجودة في حديقة حيوان، وكنا نستاء من فكرة أنهم يظنون أننا متشابهين؛ لأننا لم نكن نظن ذلك. فكنت أرى أن جيري أغرب مني ألف مرة، وكان أقل مني جاذبية، وكان من الواضح أن تصنيف عقلينا معا في الفئة نفسها لا يجعل للفئات أي أهمية؛ فهو يشبه أن تقول إن توسكانيني وقائد الفرقة المحلية الاثنين موهوبان. عندما كنا نناقش المستقبل كان يقول لي بصراحة إنني أملك ذاكرة ممتازة، وموهبة أنثوية غير استثنائية في التعامل مع اللغات، لكن قدرات التفكير المنطقي لدي ضعيفة، وتقريبا لا أملك أي قدرة على التفكير المجرد. وقال أيضا إن حقيقة أنني أكثر ذكاء بكثير من معظم أهل جوبيلي لا يجب أن تعميني عن حقيقة أنني قريبا سأصل إلى أقصى حدودي في العالم الخارجي التنافسي على المستوى الفكري. (وأضاف قائلا بحدة: «وهو ما ينطبق علي أنا أيضا، إنني أحاول دائما أنا تكون لي نظرة مستقبلية. فأنا أبدو متميزا في مدرسة جوبيلي الثانوية لكن كيف سأكون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؟» حين كان يتكلم عن مستقبله كان يمتلئ بطموحات هائلة، لكنه كان يحرص على أن يعبر عنها بشكل ساخر ويحيطها بنقد ذاتي واقعي.)
استمعت إلى رأيه كما يستمع الجندي إلى الأوامر لأنني لم أصدقه؛ أي إنني كنت أعرف أن كلامه كله حقيقي، لكنني مع ذلك كنت أشعر بأنني أتمتع بنقاط قوة كبيرة في بعض المجالات، التي أرى أنه لا يستطيع ملاحظتها ولا يصل إليها نطاق حكمه. لم تكن طريقة تفكيره تروق لي؛ لأن الناس لا يعجبها إلا القدرات التي تشابه - وتفوق - قدراتهم. كنت أرى عقله كخيمة السيرك المليئة بأجهزة غامضة، كان يمارس عليها - في غيابي - ألعابا بهلوانية مذهلة ولكنها مملة. وحرصت على ألا أجعله يدرك ما أفكر به. لقد كان صادقا وأمينا معي في رأيه عني على ما يبدو، لكن لم يكن لدي أية نية في أن أكون هكذا معه. لم لا؟ لأنني أحسست فيه ما تحس به النساء في الرجال؛ شيئا ناعما متفاخرا طاغيا سخيفا، شيئا لا أستطيع قط تحمل عواقب التدخل فيه، لقد كان بداخلي شعور باللامبالاة، بل بالازدراء، أخفيته عنه. وكنت أظن أنني بهذا أكون لبقة وعطوفا، لم أفكر أبدا أنني متكبرة.
كنا نذهب إلى السينما معا، وإلى حفلات المدرسة الراقصة، وكنا نرقص رقصا سيئا عصبيا وكل منا ساخط على الآخر، وكنا نشعر بالإهانة من تنكرنا في هيئة حبيبين في المدرسة الثانوية، وهو ما كنا مضطرين إليه حتى اكتشفنا أن الطريقة الوحيدة للتغلب على هذا الموقف هو أن نسخر منه. كان خلاصنا يتمثل في المحاكاة الساخرة والتهكم على الذات. في أحسن الأحوال، كنا نبدو رفيقين مبتهجين يشعران بالارتياح معا وأحيانا القسوة على أحدنا الآخر، وليس زوجين تزوجا منذ أكثر من ثمانية عشر عاما. كان يطلق علي لقب «الباذنجانة» بسبب ثوب كان لدي من التفتة لونه قرمزي نبيذي، وهو في الأساس ثوب تركته فيرن دوجرتي عندما رحلت وعدلته أمي ليكون مقاسي. (فقد صرنا فجأة أفقر من ذي قبل بسبب انهيار تجارة الثعالب الفضية عقب الحرب.) بينما كانت أمي تعمل على تعديل هذا الثوب، كنت آمل أن يصبح على ما يرام وأن يظهر بريقا مثيرا لفخذي العريضتين المثيرتين، مثل فستان ريتا هيوارث في إعلان فيلم «جيلدا»، وعندما ارتديته حاولت أن أقنع نفسي بأنه كان كذلك، لكن بمجرد أن رأيت تعبير وجه جيري ورأيته وهو يزدرد لعابه بصورة مبالغ فيها ويقول بصوت رفيع ساخر: «باذنجانة!» عرفت الحقيقة. وعلى الفور حاولت أن أجد الأمر طريفا ومضحكا كما فعل هو ونجحت تقريبا، وفي الطريق ارتجلنا أكثر. «حضر الحفل الراقص المسائي الأخير لمنتصف الشتاء الذي يقام في دار ترسانة جوبيلي السيد جيري ستوري الثالث، سليل عائلة كريمة تعمل ببيع الأسمدة، والآنسة الفاتنة ديل جوردان وريثة إمبراطورية الثعالب الفضية، وهما زوجان أبهرا الحضور برقصهما الفريد الذي يفوق الوصف ...»
الكثير من الأفلام التي شاهدناها في السينما كانت تدور حول الحرب والتي انتهت قبل أن نبدأ المدرسة الثانوية بعام واحد. وبعدها كنا نذهب إلى مطعم «هاينز»، الذي كنا نفضله عن مقهى «بلو آول» الذي يذهب إليه كل زملائنا في المدرسة الثانوية تقريبا ليشغلوا الأغاني في صندوق الموسيقى ويلعبوا بماكينات لعبة الكرة والدبابيس. كنا نحتسي القهوة وندخن سجائر برائحة المنثول، وبين الحجيرات كانت هناك حواجز خشبية داكنة مرتفعة تعلوها نوافذ مروحية من زجاج ذهبي داكن. كان جيري يتحدث عن الحرب وهو يقوم بتجعيد المناديل الورقية على هيئة أشكال هندسية ويلفها حول ملعقة ويمزقها إلى أشرطة صغيرة. كان يصف لي مسيرة الموت من باتان، وأساليب التعذيب في معسكرات الاعتقال اليابانية، وقصف طوكيو الناري وتدمير درسدن، لقد أمطرني بحكايات وحشية وإحصائيات مدمرة لم أسمع مثيلا لها. وكنت أستمع إليه دون أدنى اعتراض وإنما بحماس محدود واستمتاع فضولي مستمر. ثم أخذ يحدثني عن الأسلحة التي يطورها الأمريكان والروس، وقد جعلت روايته من قوتهما التدميرية أمرا حتميا هائلا لا جدوى من مقاومته وكأنه قوى الكون نفسه. «الحرب البيولوجية؛ إنهم يستطيعون إعادة إنتاج الطاعون الدبلي، إنهم يخلقون أمراضا لا يوجد علاج لها ويخزنونها. غازات الأعصاب؛ ماذا عن السيطرة على شعب بأكمله من خلال عقاقير تذهب العقل جزئيا؟ ...»
كان موقنا من أنه ستكون هناك حرب أخرى قادمة، وأنها ستقضي علينا جميعا. فمن وراء نظارته التي تنم عن العبقرية، كان يبدو مبتهجا عنيدا وهو يتوقع كارثة هائلة، بل وكارثة قريبة. كان رد فعلي لما يقول هو أني اصطنعت نظرة الرعب التقليدية، العقلانية الأنثوية المعتادة، التي من شأنها أن تثيره وتدفعه إلى معارضة أكبر، وتجعل من الضروري له أن يرعبني أكثر ويجادل منطقي. لم يكن هذا أمرا عسيرا علي؛ فالعالم الذي يعرفه كان ذلك العالم الحقيقي حيث يعرف كيف يشطرون الذرة، أما العالم الوحيد الذي كنت أعرفه أنا فهو العالم الذي صنعته بنفسي بمساعدة كتبي؛ كي يكون عالما خاصا ومغذيا لي. لكنني توقفت عن هذا، شعرت بالسأم والغضب وقلت له حسنا فلنفترض أن هذا حقيقي، لماذا إذن تستيقظ من نومك كل صباح وتذهب إلى المدرسة؟ إذا كان هذا صحيحا، فلماذا تخطط لأن تصير عالما عظيما؟ «إذا كان العالم سينتهي، ولم يعد ثمة أمل، فلماذا إذن تفعل هذا؟»
قال بلهجة غريبة ليجعلني أضحك: «لا يزال أمامي وقت كي أحصل على جائزة نوبل.» «عشر سنوات؟» «أمهليني عشرين سنة؛ فمعظم الاكتشافات العظيمة كانت على أيدي رجال لم يبلغوا الخامسة والثلاثين.»
Página desconocida