La vida de las chicas y las mujeres
حياة الصبايا والنساء
Géneros
ولكنني كنت أعقل من أن أفعل ذلك، كنت أقرأ أسرع وأسرع كل ما يقع تحت يدي، ثم أتهادى في السير تحت أشعة الشمس على الممر الذي يقود إلى منزلنا عبر الحقول. كنت مزهوة وأشعر بالإثارة الشديدة من مظاهر الشر، من تقلبه وقدرته على الابتكار ومزاحه المروع، ولكنني كلما اقتربت من منزلنا، كانت تلك الصورة تخبو. لماذا كان الحائط الخلفي البسيط لمنزلنا، والطوب الباهت المتكسر، والرصيف الإسمنتي خارج باب المطبخ، والأحواض المثبتة بمسامير، والمضخة، وشجيرة الليلك ذات الأوراق المنقطة باللون البني؛ لماذا كان كل هذا يثير الشكوك في أن هناك امرأة يمكنها بالفعل إرسال جسم زوجها مغلفا بورق هدايا عيد الميلاد إلى عشيقته في كارولاينا الجنوبية عن طريق البريد؟
كان منزلنا يقع في نهاية طريق فلاتس الذي يمتد غربا من «متجر باكلز» عند أطراف المدينة. كان ذلك المتجر - الخشبي المتهاوي الشديد الضيق من الأمام إلى الخلف كما لو كان صندوقا من الورق المقوى يقف على جانبه، والمغطى على نحو عشوائي بلافتات معدنية ومطلية تعلن عن منتجات مثل: الدقيق والشاي والشوفان المطحون والمشروبات الغازية والسجائر - علامة على انتهاء حدود المدينة؛ فالأرصفة وأضواء الشوارع والأشجار الظليلة المصطفة وعربات بائعي اللبن وبائعي الثلج ومسابح الطيور وأحواض الورود والشرفات ذات مقاعد الخيزران التي تشاهد منها السيدات الشوارع، وكل تلك المظاهر المتحضرة اللطيفة؛ قد انتهت، فكنا نسير (أنا وأوين أثناء عودتنا من المدرسة، أو أنا وأمي أثناء عودتنا من التسوق بعد ظهيرة أيام السبت) في طريق فلاتس الواسع المتعرج دون أي ظلال من متجر باكلز حتى منزلنا بين الحقول المغطاة بالأعشاب الصفراء بلون الهندباء البرية أو الخردل البري أو القضبان الذهبية بحسب الموسم. كانت المنازل هنا على مسافات أبعد من بعضها، وتبدو عامة كما لو كانت أكثر إهمالا وفقرا وغرابة من منازل المدينة، حيث يمكنك أن تجد نصف حائط مطليا، في حين لم تمس يد الطلاء النصف الآخر، والسلم الخشبي متروكا قائما في مكانه، وآثار شرفة محطمة تركت مكشوفة، وباب منزل أماميا يرتفع عن الأرض ثلاثة أقدام بلا درج، ونوافذ مغطاة بأوراق الصحف التي تحولت إلى اللون الأصفر بدلا من الستائر.
لم يكن طريق فلاتس جزءا من المدينة، ولكنه لم يكن أيضا جزءا من الريف؛ إذ إن منحنى النهر ومستنقع جرينوش يعزلانه عن بقية البلدة التي ينتمي إليها اسما، فلم تكن ثمة مزارع حقيقية إلا المزرعتين الموجودتين في منزلي العم بيني وعائلة بوتر، اللتين تبلغ مساحتهما خمسة عشر وعشرين فدانا على التوالي، غير أن مزرعة العم بيني كانت تمتد لتصل إلى الدغل. وكان أبناء آل بوتر يربون الغنم، وكنا نحن نملك تسعة أفدنة ونربي الثعالب، ومعظم الناس هنا لديهم فدان واحد أو اثنان والقليل من الماشية؛ عادة بقرة وبعض الدجاج وأحيانا شيء أكثر غرابة لا يوجد في مزرعة عادية. كان لدى أبناء آل بوتر عائلة من الماعز يطلقونها كي ترعى على طول الطريق. وكان ساندي ستيفنسون الأعزب يملك حمارا رماديا صغيرا - يشبه الصور الإيضاحية لإحدى قصص الإنجيل - يرعى في الركن المغطى بالحصى من أحد الحقول. ولم يكن مشروع والدي بالشيء الغريب ها هنا.
كان ميتش بليم وأبناء آل بوتر يعملون بتهريب الكحول في طريق فلاتس، ولكن كان لكل منهم نمطه الخاص؛ فآل بوتر مرحون رغم أنهم يميلون إلى العنف عندما يثملون. وقد أوصلوني أنا وأوين ذات مرة من المدرسة إلى المنزل في شاحنتهم. جلسنا في الخلف نتقاذف من جانب إلى آخر؛ لأنهم ينطلقون بسرعة كبيرة ويصطدمون بمطبات كثيرة، وقد حبست والدتي أنفاسها عندما سمعت بذلك. أما ميتش بليم فكان يعيش في ذلك المنزل المغطاة نوافذه بأوراق الصحف، ولم يكن يتناول المشروبات الكحولية هو نفسه؛ إذ إنه أصيب بالعجز من جراء إصابته بالروماتيزم، ولم يكن يتحدث مع أحد، وكانت زوجته تخرج من المنزل في أي وقت من اليوم متجهة لتفحص صندوق البريد مرتدية ثوبا منزليا رثا وهي حافية القدمين. وكان منزلهما بأكمله يبدو تجسيدا لشيء شرير وغامض، حتى إنني لم أكن أنظر إليه مباشرة قط، وكنت أمر من أمامه وأنا أثبت عيني على الطريق أمامي مباشرة وأقاوم رغبتي القوية في الركض.
كان ثمة أحمقان آخران في الطريق؛ أحدهما يدعى فرانكي هول، وكان يعيش مع شقيقه لوي هول، الذي كان يدير مشروعا لإصلاح الساعات في متجر غير مطلي ذي واجهة مختفية بجوار متجر باكلز. وكان بدينا وشاحبا كما لو كان منحوتا من صابون العاج، وكان يجلس في الشمس، وإلى جوار نافذة المحل القذرة تنام القطط. أما الحمقاء الثانية فهي إيرين بولوكس، ولم تكن لطيفة أو بلهاء مثل فرانك، بل كانت تطارد الأطفال في الطريق، وتتدلى من بوابتها وهي تصيح وتلوح بذراعيها كالديك الثمل، وهكذا كان منزلها هي الأخرى مكانا خطرا للمرور من أمامه، وكان ثمة أغنية يرددها الجميع:
لا تأتي خلفي يا إيرين
وإلا فسوف أعلقك من ثدييك في شجرة التفاح البري.
كنت أردد تلك الأغنية وأنا أمر مع والدتي، ولكنني كنت أملك من الحكمة ما يدفعني لأن أستبدل كلمة «كعبيك» ب «ثدييك». من أين أتت تلك الأغنية؟ حتى العم بيني كان يرددها. كانت إيرين ذات شعر أشيب، لم تكن طاعنة في السن ولكنها ولدت هكذا، وكانت بشرتها أيضا بيضاء اللون كريش الإوز.
كان طريق فلاتس هو آخر مكان ترغب أمي في الحياة به، وفور أن تلمس قدماها رصيف المدينة ترفع رأسها شاعرة بالامتنان لظلال المدينة بعد شمس طريق فلاتس الحارقة، كان يغمرها شعور بالارتياح، ويتدفق منها شعور جديد بالأهمية. كانت ترسلني إلى متجر باكلز عندما ينفد أحد الأغراض من منزلنا ، ولكنها كانت تقوم بالتسوق الحقيقي في المدينة. قد يكون تشارلي باكل يقطع اللحم في الغرفة الخلفية عند مرورنا، وكان بوسعنا رؤيته عبر الساتر الداكن كما لو كان كيانا مختبئا جزئيا في قطعة من الفسيفساء، وكنا نحني رءوسنا ونمر سريعا آملين ألا يكون قد رآنا.
كانت أمي تصحح لي عندما أقول إننا نسكن في طريق فلاتس قائلة إننا نسكن «في نهاية» طريق فلاتس، كما لو كان ذلك يحدث فارقا. لكنها اكتشفت لاحقا أنها لا تنتمي لجوبيلي أيضا، ولكنها كانت تتمسك بها في الوقت الراهن ويغمرها الأمل والسعادة عندما تذهب إليها، وتحاول جاهدة أن تجذب انتباه الآخرين إليها؛ حيث كانت تحيي السيدات اللواتي يلتفتن بوجوه متفاجئة ولكن لطيفة، وتدلف إلى متجر الأقمشة والملابس الجاهزة المظلم وتجلس على أحد المقاعد الصغيرة الطويلة، وتطلب من أحدهم بأدب أن يناولها كوبا من الماء بعد رحلة السير المتربة الحارة تلك. وكنت أتبعها دون إحراج مستمتعة بالصخب الذي تحدثه.
Página desconocida