La vida de las chicas y las mujeres
حياة الصبايا والنساء
Géneros
كنا نتطلع إلى صورة تضم العديد من الرجال الذين يرتدون قمصانا، ويزين وجوههم شوارب متدلية، وترتسم على وجوههم تعبيرات حادة، ولكنها في الوقت نفسه توحي بقلة الحيلة، وكانوا يقفون حول حصان وعربة، وكنت أنا قد ارتكبت خطأ سؤال العم كريج عما إذا كان في الصورة.
فقال: «ظننت أنك تعرفين القراءة.» وأشار إلى التاريخ المكتوب تحت عجلات العربة: 10 يونيو 1860، واستأنف: «حتى والدي لم يكن حينها رجلا بالغا، ها هو ذا خلف رأس الحصان، ولم يتزوج حتى عام 1875، وولدت أنا عام 1882. هل يجيب هذا على سؤالك؟»
لقد استاء مني، لا بسبب أي تفاهات بشأن عمره، وإنما بسبب أفكاري غير الدقيقة عن الزمن والتاريخ، وتابع بصرامة: «عندما ولدت، كانت كل تلك الشجيرات التي ترينها في الصورة قد اختفت، وكان ذلك الطريق أيضا اختفى، وحل محله طريق مفروش بالحصى.»
كانت إحدى عينيه قد أصيبت بالعمى، وخضع لعملية جراحية فيها، ولكنها ظلت معتمة عليها غشاوة، وكان جفن تلك العين متدليا بصورة مخيفة، وكان وجهه مربعا مرتخيا وجسده ممتلئا. وكان ثمة صورة أخرى لا في غرفته، بل في الغرفة الأمامية في الجانب الآخر من الردهة، يظهر فيها العم كريج ممددا على بساط أمام والديه العجوزين الجالسين، وكان آنذاك مراهقا بدينا، أشقر الشعر، يرتسم على وجهه ملامح الرضا عن النفس ويتمدد مرتكزا برأسه على مرفقه. وجلست العمة جريس والعمة إلسبيث شقيقتاه الصغيرتان على وسادات عند رأسه وقدميه، وهما ترتديان فساتين البحارة، ويغطي جبهتيهما القليل من الشعر المنسدل المجعد. وكان جدي لوالدي - الذي توفي بمرض الأنفلونزا عام 1918 - يقف خلف مقعد الوالدين ومعه على جانب العمة مويرا (التي كانت رشيقة حينها!) التي تعيش في بورترفيلد، وعلى الجانب الآخر العمة هيلين التي تزوجت من أرمل وطافت حول العالم، وتعيش الآن حياة الأثرياء في بريتيش كولومبيا. وكانت العمة إلسبيث أو العمة جريس تقول وهي تنفض الغبار عن الصورة: «انظري إلى عمك كريج! ألا يبدو مغترا بنفسه كالقطة التي انتهت من لعق القشدة كلها؟» كانتا تتحدثان عنه كما لو كان لا يزال نفس الصبي الممدد في غطرسة خادعة تدللانه وتسخران منه.
كان العم كريج يحب نثر المعلومات، والتي كنت أجد بعضها مشوقا والبعض الآخر لا. فكنت أود أن أسمع عن ملابسات تسمية جنكينز بيند بهذا الاسم على اسم شاب لقي مصرعه بعد أن سقطت عليه شجرة على مقربة من هنا، وهو شاب لم يكن قد مر على وجوده في تلك البلدة سوى أقل من شهر. وقد أطلق جد العم كريج - أي جدي الأكبر الذي كان يبني منزله هنا ويفتتح مكتب البريد وينشئ مدينة تمنى أن تصبح مدينة مهمة يوما ما، وآمن بذلك في أعماقه - اسم هذا الشاب على المدينة، فبأي شيء آخر كان الناس سيتذكرون هذا الشاب الأعزب؟ «أين لقي مصرعه؟» «على مقربة من هنا، على بعد أقل من ربع ميل.» «أيمكنني أن أرى المكان؟» «لا توجد علامة مميزة تحدده، فليس هذا هو نوع الأشياء الذي يضعون علامة لتحديده.»
نظر إلي العم كريج باستنكار، فلم يكن الفضول من الأشياء التي تؤثر فيه، وغالبا ما كان يعتبرني طائشة وغبية، ولكنني لم آبه كثيرا لهذا؛ فقد كان ثمة شيء عام وموضوعي بشأن حكمه علي جعلني أشعر بالحرية، وهو نفسه لم يكن يؤذيه أو ينتقص منه أنني لست أهلا لتوقعاته، رغم أنه كان يشير إلى هذا. وهذا هو الفرق الكبير بين أن أخيب ظنه وأن أخيب ظن أمي أو حتى عماتي. ولكن طابع حب الذات الذكوري ذاك هو ما جعل التواجد معه أمرا مريحا.
والنوع الآخر من المعلومات التي أعطاني إياها تتعلق بالتاريخ السياسي لمقاطعة واواناش، وولاء العائلات الكبرى، والعلاقات بين الناس، وما حدث في الانتخابات. كان أول شخص أعرفه يؤمن حقا بعالم الأحداث العامة والسياسة، ولا يشك في أنه جزء من تلك الأشياء. ورغم أن والدي كانا يستمعان دائما للأخبار ويشعران بالإحباط أو بالراحة مما يسمعان (وغالبا ما يشعران بالإحباط، لأننا كنا في بداية الحرب)؛ كان يخالجني الشعور بأنه بالنسبة لهم - كما هو الحال بالنسبة لي - كل ما يحدث في العالم خارج عن نطاق سيطرتنا، أحداث خيالية ولكنها مأساوية. أما العم كريج، فلم يكن يشعر بالخوف؛ فقد كان يرى صلة بسيطة بين نفسه وهو يتولى شئون البلدة - مهما كانت مزعجة في الغالب - وبين رئيس الوزراء في أوتاوا وهو يتولى شئون البلاد. وكانت له وجهة نظر متفائلة بشأن الحرب، فهي انفجار ضخم في الحياة السياسية العادية وسيأتي يوم وتتوقف بعد أن تخور قواها، وكان مهتما بكيفية تأثير الحرب على الانتخابات، وتأثير التجنيد الإجباري على الحزب الليبرالي أكثر من اهتمامه بسير الحرب نفسها، رغم أنه وطني، فهو يعلق العلم ويبيع سندات النصر.
عندما لا يكون منخرطا في العمل في شئون البلدة، كان ينشغل بمشروعين: وهما تاريخ مقاطعة واواناش، وشجرة العائلة التي تعود جذورها إلى عام 1670 في أيرلندا. لم يكن أي شخص في عائلتنا قد قام بأعمال مميزة؛ فبعضهم قد تزوج من بروتستانتيين أيرلنديين آخرين وكونوا عائلات كبيرة، والبعض الآخر لم يتزوج، وبعض الأطفال توفوا في صغرهم، ولقي أربعة أفراد من عائلتنا حتفهم في حريق، وفقد رجل زوجتين له أثناء الولادة، وتزوج أحدهم من امرأة كاثوليكية، وقدموا إلى كندا واستمروا بالطريقة نفسها، وغالبا ما كانوا يتزوجون من المشيخيين ذوي الأصل الاسكتلندي. ورأى العم كريج أنه من الضروري اكتشاف أسماء كل هؤلاء الأشخاص، وصلتهم بعضهم ببعض، وتواريخ الميلاد والزواج والوفاة - أو على الأقل الميلاد والوفاة إذا كانت تلك هي الأحداث التي وقعت لهم فحسب - وغالبا ما يكون هذا بمجهود كبير وقدر هائل من المراسلات حول أنحاء العالم (فلم ينس الفرع من العائلة الذي ذهب إلى أستراليا)، وكتابة كل هذه المعلومات هنا بالترتيب وبخطه الواضح الأنيق. لم يبحث عن معلومات عن أي شخص في العائلة فعل ما هو أكثر إثارة للاهتمام - أو أكثر خزيا - من الزواج بامرأة كاثوليكية (حيث كان المذهب الذي تعتنقه المرأة يدون بالحبر الأحمر أسفل اسمها)، فقد كان هذا كفيلا بإرباك السجل الذي يضعه بالكامل، لو أن أحدهم فعل ما هو أكثر من هذا. لم تكن أسماء الأشخاص هي المهمة بالنسبة له، بل الهيكل المعقد المحكم من الحيوات من الماضي التي تدعم وجودنا.
وينطبق الأمر نفسه على تاريخ المقاطعة التي افتتحت، واستوطنها الناس، وكبرت، ودخلت مرحلة التدهور البطيء الحالي عن طريق كوارث بسيطة فحسب؛ مثل حريق تابرتون، والفيضان المنتظم لنهر واواناش، وبعض فصول الشتاء المروعة، وبعض جرائم القتل غير الغامضة، وأفرزت ثلاث شخصيات بارزة فحسب؛ وهم قاض بالمحكمة العليا، وعالم آثار نقب عن الآثار في القرى الهندية الواقعة حول خليج جورجيا وألف كتابا عنها، وسيدة كانت قصائدها تنشر في الصحف في أنحاء كندا والولايات المتحدة. لكن لم يكن ذلك ما يهم، وإنما الحياة اليومية هي التي تهم؛ فقد كانت ملفات العم كريج وأدراجه تعج بقصاصات من الصحف والخطابات التي تصف أحوال الطقس، وتروي قصة عن حصان هارب، وقوائم الحاضرين في الجنائز، وهو تجميع هائل للحقائق العادية للغاية، والتي كان شغله الشاغل أن يرتبها. فكل شيء يجب أن يدخل إلى الإطار التاريخي الذي يصنعه، كي يجعله التاريخ الكامل لمقاطعة واواناش، ولم يكن يغفل شيئا؛ ولذلك عندما توفي لم يكن قد وصل إلا إلى عام 1909 فحسب.
عندما قرأت بعد عدة أعوام عن ناتاشا في رواية «الحرب والسلام»، وكيف «عزت أهمية كبرى لمساعي زوجها الفكرية المجردة، رغم أنها لم تكن تفهمها.» خطر في بالي العمة إلسبيث والعمة جريس. لم يكن الأمر ليشكل فارقا ما إذا كان العم كريج لديه «مساع فكرية مجردة» أو أنه كان يقضي اليوم في فرز ريش الدجاج، فقد كانتا على استعداد للإيمان بما يفعله. كان لديه آلة كاتبة سوداء قديمة ذات حواف معدنية حول المفاتيح، وأذرعها السوداء الطويلة مكشوفة، فكان عندما يبدأ بالكتابة عليها بأسلوبه البطيء المتقطع عالي الصوت - ولكن الموثوق به - كانتا تخفضان صوتيهما، وتوجهان نظرات توبيخ عبثية بعضهما لبعض إذا ما أحدثت المقلاة ضوضاء، ولسان حالهما يقول: «إن كريج يعمل!» وترفضان خروجي إلى الشرفة خوفا من أن أسير أمام نافذته وأزعجه. لقد كانتا تحترمان عمل الرجال أكثر من أي شيء في العالم، وفي الوقت نفسه تتخذانه مادة للضحك. كان هذا الأمر غريبا، فقد كانتا تؤمنان تماما بأهميته، وفي الوقت نفسه تعبران عن حكمهما فيه بأنه تافه وبلا جدوى. وهما لا تتدخلان فيه أبدا، أبدا، فثمة خط فاصل هو الأوضح على الإطلاق بين عمل الرجل وعمل المرأة، وأي تعد على هذا الخط أو أي اقتراح لتخطيه، كانتا تقابلانه بضحكة هادئة مندهشة يملؤها شعور بالتفوق مفعم بالندم.
Página desconocida