7
والمجنون في هذه المقالات هو شخص حقيقي كما وصف واصفه ، رأيته لأول مرة في مجلس الرافعي ذات مساء في قهوة «لمنوس»، فرأيت شابا أمرد يلبس جلبابا رخيصا وعلى رأسه عمامة، وقد جلس بين يدي الرافعي مجلس من لا يحتشم، فأنكرت موضعه، وأشرت إلى الرافعي أسأله عنه، فقال: «سله أنت من يكون؟»
فالتفت الفتى مغضبا يسأل: «أوليس يعرفني؟ أوينكر موضع نابغة القرن العشرين ...؟ ... ثم كان مجلس طويل وصفه الرافعي فيما وصف من مجالس المجنون.
وهو فتى كان طالبا في مدرسة المعلمين الأولية بطنطا، ثم أصابه ما أصابه فانقطع عن المدرسة، ولكنه لم يقطع صلته بالأدب، وصديقنا الأستاذ حسنين مخلوف يعرف هذا النابغة، فإنه كان بين تلاميذه في مدرسة المعلمين.
أما المجنون الآخر الذي وصف الرافعي من حاله ما وصف بعد، فهو طالب في إحدى كليات الأزهر، ولم ألقه أو أعرفه إلا بعد أن كتب الرافعي عنه ما كتب.
كنت يوما في إدارة الرسالة، حين دخل علينا فتى أزهري في جلباب حائل اللون، فحيا وقال: «ألست تعرفني؟»
فحيرني هذا السؤال ولم أدر بم أجيبه، فقال: «إن بيننا نسبا وقرابة، وإن بيني وبين الرافعي ... إنني أنا الذي يكتب عنه الرافعي مقالات المجنون!»
قال ذلك وفي وجهه أمارات الجد، وبدا لي كأنه يفاخرني بما يقول! قلت: «ولكني أعرف نابغة القرن العشرين معرفة النظر!» قال: «نعم، فهل عرفت الآن من يكون الآخر ...؟»
وقد كانت صلة الرافعي بهذين الفتيين بابا من العبث والمجانة، على أنهما قد استطاعا أن يحملاه على العناية بأمرهما والتفكير في كتابة شيء عن المجانين ...
وقد احتفل لهذه المقالات احتفالا كبيرا، فبعث إلي في القاهرة لأشتري له نسخة من كتاب «عقلاء المجانين»، ثم بعثني بكتاب خاص إلى الدكتور محمد فؤاد مدير قسم الأمراض العقلية بوزارة الصحة - وكان زميله في المدرسة الابتدائية - يرجوه أن يأذن لي في زيارة مستشفى المجانين لأكتب إليه عن بعض طرائفهم، لعله يجد فيها مادة تعينه على تمام موضوعه.
Página desconocida