وكانت مقالة من عيون مقالات الرافعي، نشرتها البلاغ في صفحتها الأدبية، وقد أورد فيها بضعة عشر رأيا في بيان إعجاز الآية ومبلغها من البلاغة بإزاء الكلمة الجاهلية، وقد جعلها من بعد فصلا من شواهد كتابه «أسرار الإعجاز» الذي لم يطبع بعد ...
15
وقرأ القاياتي مقال الرافعي في الرد عليه، وأحسبه قد اقتنع بما قرأ واعترف على نفسه في خلوته، ولكنه لاذ بالصمت، وكانت كرامته الأدبية أعز عليه من كرامة القرآن، فلا هو رد عليه ولا هو اعترف علانية بما كان من خطئه فيما انزلق إليه ...!
وفتح مقال الرافعي أبوابا من القول لطائفة من الأدباء؛ إذ كان فيما رد به الرافعي أن كلمة «القتل أنفى للقتل» ليست جاهلية كما يعرف أكثر قراء العربية، ولكنها نشأت في العصر العباسي لمثل ما استعملها له القاياتي في معارضة القرآن، وأسندها مخترعها إلى حكيم الجاهلية أكثم بن صيفي ليتم له قصده، وجازت دعواه على كثير من قراء العربية حتى كشف الرافعي عن زيفها بعد ألف سنة!
كان تاريخ هذه الكلمة ميدانا للقول والمعارضة أياما بين الرافعي وبعض الأدباء، وكان أول من عرض لمناقشة رأي الرافعي هو أخونا الأستاذ عبد العزيز الأزهري، ولكنه لم يلبث أن شعر بالإعياء من أول شوط، فكتب إلى الرافعي رسالة خاصة في البريد يستعفيه ويعتذر إليه بأنه مشغول البال بالاستعداد للزواج ...!
ثم تداول الرأي غيره، فكتب الأستاذ الكبير «أزهري المنصورة»
16
يرى في تاريخ الكلمة رأيا غير ما يرى الرافعي، وكتب شيخ أدباء العروبة الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي، وطال الشد والجذب حول تاريخ هذه الكلمة فترة من الزمان.
17 (2)
وفي هذه الفترة تم إنشاء «المجمع اللغوي» وكان الرافعي يمني نفسه بأن يكون من أعضائه، فحال بينه وبين ما يتمنى أنه لا يسمع، وإن لم يكن يمنعه ذلك أن يكون عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق، واختير له هو والمرحوم حافظ بك إبراهيم قبل ذلك بسنوات، فلم يشهد جلسة من جلساته، ولم يشترك في قرار قرره، ولم يبعث إليه برسالة واحدة في موضوع من موضوعات العلم العربي.
Página desconocida