La vida de Cristo: en la historia y los descubrimientos de la era moderna
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Géneros
أما الحماسة الروحية التي كانت لازمة لتوحيد العقيدة في العالم الإنساني، فلم تعهد قط في غير الأديان الكتابية، أو الأديان الإلهية، ولم يكن لها رسل قط غير الرسل المؤمنين بإله أعظم من الدنيا، وأعظم من الدول، وأعظم من كل موجود.
ولحكمة من الحكم الخالدة، وجد هذا الرسول مطرودا في قومه، ولم يوجد بينهم مقصور الدعوة عليهم، فوجد فيه العالم بغيته في ساعة الحاجة إليه، وإنها لآية من الآيات التي يطول عندها تدبر الباحثين والمؤرخين؛ لأنها من التوفيقات التي يكون القول بالمصادفة فيها أصعب وأعجب من القول بالتدبير والتقدير.
وتم على يد هذا الرسول نقيض ما يتم على أيدي الوثنية في صولتها وسلطانها، فإن الوثنية تتغلب؛ لأنها دين الدولة الغالبة، أما هذه الرسالة - رسالة الملكوت السماوي - فقد نشأت في عشيرة قبيلة ذليلة، تحكمها تارة دولة الرومان الغربية، وتحكمها تارة أخرى دولة الرومان الشرقية، فلم يمض غير أجيال معدودات حتى غزت الدولتين، واستولت على العاصمتين، وصح ما رووه عن جوليان - سواء قاله أو لم يقله - فانتصر «الجليلي» بملكوته السماوي على ممالك القياصر، وضم القياصر إلى حاشيته، فمنه يأخذون ما أخذوه باسم قيصر، وما أخذوه باسم الله!
الباب الخامس
أدوات الدعوة
قدرة المعلم
إذا انتشرت دعوة من الدعوات الكبيرة في العالم ثبت من انتشارها شيئان على الأقل، وهما أن العالم كان عند انتشارها محتاجا إليها، وكان مستعدا لسماعها، وهما شيئان مختلفان لا يذكران في معرض الترادف والتماثل؛ لأن الحاجة إلى الدعوة كالعلة، والاستعداد لسماعها كالشعور بالعلة، أو كالاستعداد لطلب الدواء، وقد يتفقان في وقت واحد، وقد توجد العلة، ولا يوجد معها طلب الدواء ولا قبوله، إذا عرض على العليل.
وجملة ما يفهم من العصور التمهيدية التي لخصنا الكلام عليها فيما مضى أن العالم في عصر الميلاد كان محتاجا إلى الدعوة المسيحية، مستعدا لسماعها، سواء قصرنا الكلام على عالم إسرائيل، أو عممنا به العالم أجمع.
فعالم إسرائيل كان يؤمن بالمسيح المنتظر، وبموعده في تلك الحقبة من الزمن، والعالم المعمور كان يؤمن إيمانا «سلبيا» بإفلاس الوثنية، وإقفار النفوس من الرجاء، وكان عامته في بؤس ويأس، وخاصته مستسلمين للمتاع، أو مستسلمين للتصوف، من كان منهم يفكر دان بالأبيقورية، أو دان بالرواقية، ومن كان مطبوعا على التدين والبحث في شئون الغيب، دان بنحلة خاصة من النحل السرية التي تحل فيها المراسم والشعائر محل الفرائض والعبادات.
وقد يكون الكثيرون من الخاصة بمعزل عن الأبيقورية والرواقية والنحل السرية، فهم إذن في حالة الخواء الذي يسبق الامتلاء، وأسلم ما يقال عنه في صدد العقيدة المقبلة أنه لا يملك القوة على مقاومتها بقوة مثلها، وأنه قد يتفتح بقبولها فيكون شعور الخواء من أسباب الإقبال عليها والرغبة فيها .
Página desconocida