La vida de Cristo: en la historia y los descubrimientos de la era moderna
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Géneros
فإذا صح أن زمرة وادي القمران كانت تنتمي إلى الآسين، وصح أكثر من ذلك أن صومعتهم كانت هي البرية التي كان يلوذ بها السيد المسيح ويوحنا المعمدان؛ فالجديد في هذا الكشف هو توكيد الحاجة إلى رسالة السيد المسيح، أو توكيد فضل الدعوة المسيحية في إصلاح عقائد القوم كما وجدتها على أرقاها وأنقاها بين أتباع النحل اليهودية قبيل عصر الميلاد.
فالكتب الآسينية - أو الآسية - التي وجدت في الصومعة تصف لنا نظم الجماعة وآداب سلوكها، وشدة حرصها على الشعائر الموروثة بين قومها، ولكنها لا تزال مصابة بداء القوم الذي انتهى إلى غاية مداه في تلك الفترة، وهو داء الجمود على النصوص والحروف، والانصراف عن جوهر العقيدة ولباب الإيمان، ولا تزال النحلة الآسينية نفسها أدل على الحاجة إلى الإصلاح من النحل المتهمة أو المحاطة بالشبهات؛ لأن النحلة المتهمة تجد إصلاحها عند الراشدين من أبناء الديانة القائمة، وكل نحلة يهودية زائغة عن سوائها تجد من يقومها من العارفين باستقامتها في نطاق الديانة اليهودية، ولكن الحاجة إلى الإصلاح إنما تثبت كل الثبوت إذا بلغت النحلة أرقى ما تبلغه، واستنفدت كل طاقتها تهذيبا وتطهيرا وإخلاصا وتذكيرا، ولم تزل بعد ذلك قاصرة عن تزويد الروح بما تتعطش به وتفتقر إليه، وكذلك كانت النحلة الآسينية التي كشفت عنها لفائف وادي القمران، أيا كان اسمها، وأية كانت وجهتها، فإنها لم تمهد لرسالة السيد المسيح إلا كما يمهد المريض للعلاج أو يمهد الداء للدواء، ولا شك أن اللفائف المكشوفة ذخيرة نافعة في بابها، ولكنها لا تضيف إلى معلوماتنا عن حقائق الرسالة المسيحية، ولا تخرجنا بشيء جديد في أمر هذه الرسالة، غير أنها تؤكد لنا فضلها ولزومها في أوانها، فمهما يكن من غرض النحلة الآسينية، فهي في أصولها وفروعها بقية محافظة على تراثها متشددة في محافظتها، ناظرة إلى أمسها حتى في التطلع إلى الغد المرجو انتظارا للمخلص الموعود على حسب النبوءات الغابرة، ولهذه الآفة الوبيلة - آفة التشدد في عبادة المراسم والنصوص - كانت الدعوة المسيحية رسالة لازمة تعلم الناس ما هم في حاجة إلى أن يتعلموه، كلما غرقوا في لجة راكدة من الحروف الميتة والأشكال المتحجرة، تعلمهم أن العقيدة مسألة فكرة وضمير، لا مسألة حروف وأشكال. وهذه هي رسالة السيد المسيح في ذلك العصر الموبوء بجموده وريائه على السواء؛ لأن الرياء إنما هو في باطنه جمود على وجهه طلاء.
تفسيرات من فلسفة التاريخ
ونستطرد من تلخيص نتيجة اللفائف المكشوفة إلى تلخيص نتيجة المناقشة - أو المناقشات الطويلة - حول الترجمة المنقحة في اللغة الإنجليزية لكتابي العهد القديم والعهد الجديد.
إننا سمعنا بنبأ هذه الترجمة المنقحة بعد سماعنا بنبأ اللفائف المكشوفة، وكدنا نحصر الضجة الكبرى حول فقرة واحدة في كتاب أشعيا في العهد القديم، فاعتقدنا أن المشتغلين بتنقيح الترجمة رجعوا إلى نص جديد في لفائف وادي القمران؛ لأن كتاب أشعيا هو الكتاب الكامل الذي اشتملت عليه تلك اللفائف فيما اشتملت عليه من الآثار المتفرقة، ولكننا تلقينا البيان الوافي عن عمل المنقحين، فلم نجد فيه ما يشير إلى علاقة بين الكشوف الجديدة وبين تنقيح الترجمة المتداولة من كتب العهد القديم على الخصوص؛ لأن الفقرة التي جاءت في كتاب أشعيا وثارت حولها الضجة الكبرى بين أنصار التنقيح ومعارضيه، لم تفاجئ علماء اللاهوت برأي لم يعلموه من قبل، ولم يذهبوا فيه كل مذهب من الطرفين المتقابلين.
ثارت الضجة حول فقرة في الإصحاح السابع مترجمة في اللغة العربية بالكلمات الآتية: «... يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحمل وتلد ابنا، وتدعو اسمه عمانويل.»
فهذه الفقرة تظهر في الترجمة الإنجليزية المنقحة بعبارة «امرأة شابة» في مقابلة كلمة «علامة» العبرية، وكلمة
«بارنثوس» في الترجمة السبعينية، ولا جديد أيضا في هذا الخلاف؛ لأنه خلاف لم ينقطع بين المذاهب الثلاثة التي يدور بحثها على تفسير المقصود ببتولة السيدة مريم أم المسيح - عليه السلام. فمن أصحاب المذاهب المسيحية من يفسرها بالبتولة الدائمة قبل ميلاد المسيح وبعده، ومنهم من يقول بالبتولة قبل ميلاده، ثم ولادة إخوة له بعد ذلك وردت الإشارة إليهم في كتب العهد الجديد، ومنهم من يرجع إلى النصوص العبرية، ولا يذكر كلمة البتول كما تقدم. وجواب القائلين بالبتولة الدائمة على المستشهدين بذكر إخوة السيد المسيح في كتب العهد الجديد أنهم أبناء عمومة أو أنهم إخوة منسوبون إلى يوسف خطيب مريم، إلى آخر ما ورد في هذا الخلاف القديم الجديد.
ولقد كانت أمامنا تفاصيل هذا الخلاف عند كتابة «حياة المسيح» فلم نعرض له، ولم نعرض لبحث من البحوث في هذا الصدد، إلا ما كانت له صلة لا فكاك لها برسالة السيد المسيح في عالم الهداية الروحية، ولهذا لم نذكر معنى كلمة «أخي الرب » التي شفعت باسم «جيمس» المقابل لاسم يعقوب في الترجمة العربية، وقلنا عنه إنه «جيمس قريب السيد المسيح».
وقد خطر لبعض الناقدين أننا سميناه كذلك؛ لأننا لم نطلع على الترجمة العربية لكتب العهد الجديد، وإنه لظن يستسهله من يستسهل النقد بغير روية، ويحسبه بعيدا كبعد المستحيل من يعلم من قراءة «حياة المسيح» أننا على الأقل فتحنا كتب العهدين مائة مرة، لنبحث فيها عما بحثناه، وننقل منها ما نقلناه، فالآن تعرض المناسبة التي نذكر فيها سبب تلك الإشارة على علاتها، دون أن نبدي رأيا في تصحيف كلمة جيمس من كلمة يعقوب، ودون أن نقرر في الإشارة العابرة حكما فاصلا لا موضع له بين هذه التفصيلات.
Página desconocida