أما تختشي من أسدنا فأجبتهم ... هوى كل نفس أين حل حبيبها
وضربوا المثل أيضا بأسد الشرى وهو طريق بسلمى كثيرة الأسد، قال الفرزدق «١»:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يشتبيلها «٢»
قيل: معنى يشتبيلها: يأخذ أولادها وينسب إلى الفرزدق مكرمة يرجى له بها الجنة، وهي أنه لما حج هشام بن عبد الملك، في أيام أبيه، طاف بالبيت، وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر على ذلك، لكثرة الزحام، فنصب له كرسي وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشأم، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم، وكان من أجمل الناس وجها، وأطيبهم أرجا فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم الحجر، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشأم، وكان الفرزدق حاضرا فقال أنا أعرفه: فقال الشامي من هو يا أبا الفوارس؟ فقال «٣» الفرزدق:
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقيّ الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
في كفه خيزران ريحه عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
ينشق نور الهدى من نور غرّته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم
مشتقة من رسول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشّيم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله شرّفه قدما وعظّمه ... جرى بذاك له في لوحه القلم
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما ... يستوكفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... يزينه اثنان حسن الخلق والشيم
حمال أثقال أقوام إذا اقترحوا ... حلوا الشمائل يحلو عنده نعم
ما قال لاقط إلا في تشهده ... لولا التشهد كانت لاؤه نعم
عم البرية بالإحسان فانقشعت ... عنها الغيابة والإملاق والعدم
1 / 20