فمن أطاعك فانفعه لطاعته ... كما أطاعك وأدلله على الرّشد
ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهي الظلوم ولا تقعد على ضمد «١»
والضمد بفتح الضاد المعجمة والميم الحقد. وكان قتله في شعبان سنة ست أو سبع وثلاثين ومائة. قال ابن خلكان وغيره: وكان أبو مسلم قد سمع الحديث وروي عنه، وأنه خطب يوما فقام إليه رجل فقال ما هذا السواد الذي أراه عليك؟ فقال أبو مسلم: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله ﵄، أن النبي ﷺ دخل مكة يوم الفتح، وعلى رأسه عمامة سوداء، وهذه ثياب الهيبة وثياب الدولة. يا غلام اضرب عنقه. قلت: حديث جابر هذا في صحيح مسلم قال ابن الرفعة: وفي الحديث الصحيح أن النبي ﷺ صعد المنبر، وعلى رأسه عمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه، وهو أيضا في صحيح مسلم «٢» . قال ابن الرفعة: ومن ثم كان شعار بني العباس في الخطبة السواد اهـ.
قيل: أحصي من قتله أبو مسلم صبرا وفي حروبه، فكانوا ستمائة ألف واختلف في نسبه فقيل من العرب، وقيل من العجم، وقيل من الأكراد، وروي «٣» أنه قيل لعبد الله بن المبارك ﵀: أبو مسلم خير أم الحجاج؟ فقال: لا أقول إن أبا مسلم كان خيرا من أحد ولكن كان الحجاج شرا منه اهـ. وكان أبو مسلم فصيحا عالما بالأمور ولم يرقط مازحا ولم يظهر عليه سرور ولا غضب، ولا يأتي النساء إلّا مرّة في السنة، وكان يقول: الجماع جنون ويكفي الإنسان أن يجن في السنة مرة واحدة، وروي أنه قيل لأبي مسلم: ما كان سبب خروج الدولة عن بني أمية؟ قال:
لأنهم أبعدوا أولياءهم ثقة بهم، وادنوا أعداءهم تألفا لهم، فلم يصر العدو صديقا بالدنو، وصار الصديق عدوا بالإبعاد. وكان أبو مسلم مميت دولة بني أمية، ومحيي دولة بني العباس.
وذكر ابن الأثير وغيره أن أبا جعفر المنصور لما حاصر ابن هبيرة قال: إن ابن هبيرة يخندق على نفسه مثل النساء. فبلغ ذلك ابن هبيرة، فأرسل إليه أنت القائل كذا وكذا فابرز إلي لترى.
فأرسل إليه المنصور: ما أجد لي ولك مثلا في ذلك إلا كأسد لقي خنزيرا فقال له الخنزير: بارزني فقال له الأسد: ما أنت لي بكفء فإن نالني منك سوء كان ذلك عارا علي وإن قتلتك قتلت خنزيرا فلم أحصل على حمد، ولا في قتلي لك فخر. فقال له الخنزير: إن لم تبارزني لأعرفن السباع، إنك جبنت عني. فقال الأسد: احتمال عار كذبك أيسر من تلطخ راحتي بدمك.
(الحكم): قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وداود والجمهور: يحرم أكل الأسد لما روى «٤» مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ قال: «كل ذي ناب من السباع فأكله حرام» . قال أصحابنا:
المراد بذي الناب ما يتقوى بنابه ويصطاد. وفي الحاوي للماوردي قال: الشافعي:
1 / 18