Hawi Li Fatawi
الحاوي للفتاوي
Editorial
دار الفكر
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1424 AH
Ubicación del editor
بيروت
فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسَى شَيْئًا، ثُمَّ تَلَا ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤]، وَشَاهِدٌ آخَرُ مِنْ حَدِيثِ جابر.
أَخْرَجَ ابن مردويه عَنْ جابر قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: يَا كعب، مَا أَحَلَّ رَبُّكَ، فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ، فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ عَفْوٌ فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ» ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] .
وَلَهُ شَاهِدٌ آخَرُ مِنْ حَدِيثِ أبي ثعلبة وَيُؤَيِّدُ أَنَّ سُؤَالَهُمْ فِي حَدِيثِ سلمان عَنِ الْجُبْنِ ; لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنَ الْإِنْفَحَةِ، وَعَنِ الْفِرَاءِ ; لِأَجْلِ كَوْنِهِ مِنْ مَيْتَةٍ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ. قَالَ: ذَكَرْنَا الْجُبْنَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقُلْنَا: إِنَّهُ يُصْنَعُ فِيهِ أَنَافِحُ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ عمر: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ، وَكُلُوا.
وَرَوَى سعيد أَيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِجُبْنَةٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ مِنْ صَنْعَةِ الْمَجُوسِ، فَقَالَ: (اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا)» .
وَرَوَى سعيد أَيْضًا «عَنْ إسحاق بن عبد الله بن الحارث قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلِيِّ بن عباس، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ يُصْنَعُ لَنَا بِالْعِرَاقِ مِنْ هَذَا الْجُبْنِ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يُصْنَعُ فِيهِ مِنْ أَنَافِحِ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ مِنْ أَنَافِحِ الْمَيْتَةِ، فَلَا تَأْكُلْهُ، وَمَا لَمْ تَعْلَمْ فَكُلْهُ، قَالَ لَهُ أَبِي: وَإِنَّهُ يُصْنَعُ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْفِرَاءِ وَبَلَغَنِي أَنَّهَا تُصْنَعُ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (دِبَاغُ كُلِّ أَدِيمٍ ذَكَاتُهُ)» .
وَرَوَاهُ الدُّولَابِيُّ فِي الْكُنَى «عَنْ إسحاق بن عبد الله بن الحارث قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: الْفِرَاءُ تُصْنَعُ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (ذَكَاةُ كُلِّ مَسْكٍ دِبَاغُهُ)»، فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُ الْفِرَاءَ مُطْلَقًا جِلْدًا، أَوْ شَعْرًا.
وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِطَهَارَةِ الشَّعْرِ بِالدِّبَاغِ إِطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي دِبَاغِ إِهَابِ الشَّاةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّعْرُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَقَالَ: انْزِعُوا شَعْرَهَا وَادْبَغُوا الْجِلْدَ وَانْتَفِعُوا بِهِ وَحْدَهُ ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ بَيَانٍ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَلَمَّا أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَصِّلْ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّعْرَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ تَبَعًا لِلْجِلْدِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: ٨٠] وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى شَعْرِ الْمَأْكُولِ إِذَا ذُكِّيَ وَأُخِذَ فِي حَيَاتِهِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْآيَةَ خُوطِبَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلِهَذَا قِيلَ فِي أَوَاخِرِ تَعْدَادِ النِّعَمِ ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ [النحل: ٨١]، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَذْبَحُونَ لِلْأَصْنَامِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ الْبَعْثَةِ يَتَوَقَّفُ
1 / 22