حكي عنه: أنه كتب للخليفة الناصر لدين الله لما كان يتولى ديوان الجوالي رقعة طويلة يقول فيها: مذهب الشافعي رضي الله يقضي أن المأخوذ من أهل الذمة، أعني اليهود والنصارى وكل سنة أجرة عن سكناهم في دار السلام، والارتفاق بمرافقها لا يتقدر في الشرع بمقدار معين في طرف الزيادة ويتقدر في طرف النقصان بدينار، فلا يؤخذ من أحد منهما على الاطلاق أقل من دينار ويجوز أن يؤخذ مايزيد علي الدينار إلى المائة، حسب امتداد اليد عليهم مهما أمكن، فإن رأى أن يتضاعف على كل شخص منهم ما يؤخذ منه، فللاراء الشريفة علوها في ذلك، وهذا لا يبين عليهم لا في أحوالهم ولا في ذات أيديهم لأن الغالب على الجميع التخفيف في القدر المأخوذ منهم، وهم ضروب وأقسام، منهم من هو في خدمات الديوان وله المعيشة السنية غير بركة يده الممتدة إلى أموال السلطان والرعية من الرشا والبراطيل، ولعل الواحد منهم ينفق في يومه القدر المأخوذ منه في السنة، هذا مع مالهم من الحرية الزائدة والجاه القاطع والترقي على رقاب خواص المسلمين، وقد شاهد العبد وغيره من الفقهاء الحاضرين في المخزن لتناول البر المتقبل: أن أبن الحاجب قيصر، أقام ابن محرز الفقيه من طرف موضع كان به، وأقعد مكانه ابن زطينا كاتب المخزن لمكان خدمته وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: أمرنا أن لا نساويهم في المجلس ولا نشيع جنائزهم ولا نعود مرضاهم ولا نبدأهم بسلام وقد كان أبن مهدي استفتى العبد وغيره، في تولية ابن ساوا النظر بواسط، فقال له العبد: لا يجوز ذلك، وذكر له قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أبي موسى الأشعري وذلك أنه عرض عليه حسبة عمل من الأعمال فأعجبته، فقال من كاتب هذه؟ وكان عمر جالسا في المسجد، فقال له أبو موسى: رجل بباب المسجد، فقال عمر: ما باله لا يدخل المسجد أجنب هو؟ قال: لا إنما هو نصراني، فغضب عمر وقال: أتقربونهم وقد أبعدهم الله وتأتمنونهم وقد وخونهم الله وترفعونهم وقد وضعهم الله لا يعمل لي هذا عملا في بلد من بلاد الإسلام، ثم ليس لهم في بلد من الحرمة والجاه والمكانة ما لهم في مدينة السلام، فلو تضاعف المأخوذ منهم مهما تضاعف، كان لهم الربح الكثير. ومنهم الاطباء أصحاب المكاسب الجزيلة، بترددهم إلى منازل الأعيان، وأرباب الأحوال ودخولهم على المتوجهين في الدولة، والناس يتحملون فيما يعطون الطبيب زائدا على القدر المستحق، وهو أمر من قبل المروآت فلا ينفكون عن الخلع السنية والدنانير الكثيرة والطرف في المواسم والفصول مع ما يحطون في المعالجات ويفسدون الأمزجة والأبدان، ويخرج الصبي منهم ولم يقرأ غير عشر مسائل حنين، وخمس قوائم من تذكرة الكحالين وقد تقمص ولبس العمامة الكبيرة وجلس في مقاعد الأسواق والشوارع على دكة حتى يعرف، وبين يديه المكحلة والملحدان يؤذي هذا في بدنه وبجرب على ذا في عينه، فيفتك من أول النهار إلى آخره ويمضي آخر النهار إلى منزله ومكحلته مملوءة قراضة فإذا عرف بقعوده على الدكة وصار له الزبون، قام يدور ويدخل الدور، ومنهم أرباب المعايش من العطارين والمخلطين والكسارين أصحاب المكاسب الظاهرة والارتفاقات الكثيرة بأموال التجار المسلمين وأخذهم من الحجر بالمدة وما يعفوا في ميزان الذهب، وميزان الارطال وما يغشون في الحوائج ويدغلون، ومنهم أصحاب الحرف والصناعات من الصاغة وغيرهم وما يتقلبون فيه من الذهب والفضة ويسرقون الذهب ويجعلون عوضه المس ويعدلونه ويسرقون الفضة ويجعلون عوض ذلك في المواضع المستورة بحسب احتمالها، تارة قارا وغير ذك ومنهم الجهابذة وما يسرقون في القبض والتقبيض، ومنهم الصيارف واحتجاجهم ببضاعة دار الضرب مع مالهم من التبسط في المسلمات والمسلمين وبذل جزيل المال في تحصيل أغراضهم في الفساد ورفاهية العيش والتلذذ في المآكل والمشارب، ثم ما زالوا على اختلاف الزمان يؤخذون بالصغار ولبس الغيار الذي أوجبه الشرع عليهم، وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأمصار، أن احملوا أهل الذمة على جز نواصيهم وأن يختموا أعناقهم بخواتم من رصاص أو حديد، وأن يركبوا على الأكف عرضا، وأن يشدوا الزنانير علي أوساطهم ليتميزوا بذلك عن المسلمين، وعلى ذلك جرى الأمر في زمن الخلفاء الراشدين وآخر من شدد عليهم المقتدي بأمر الله واجراهم على العادة التي كانت في زمن
Página 18