يولونني عرض الكراهة والقلى
وما دأبهم إلا النفاسة والغمط
وقد وسموني بالتي لست أهلها
ولم يمن أمثالي بأمثالها قط
فررت، فإن قالوا: الفرار إرابة
فقد فر موسى حين هم به القبط
وإني لراج أن تعود كبدئها
لي الشيمة الزهراء والخلق البسط
وشاع في الصباح خبر فرار ابن زيدون، وقام له ابن جهور وقعد، واجتمع الوزراء والقواد لهذا الحادث الجلل، وجمع كبير الشرطة أعوانه وأمرهم أن ينبثوا في المدينة وأرباضها، وأن يطلقوا عيونهم في كل مكان للوقوف على موضع اختفائه. ولم يكن للناس حديث في مجالسهم وندواتهم إلا في فرار ابن زيدون وما صحبه من إحكام الحيلة وإجادة التدبير، وقهقه العامة كعادتهم من غفلة المشرفين على المدينة مع ما يتبجحون به من صرامة وحزم وحذر. وانتقل الخبر من فم إلى فم، وذعر ابن عبدوس وجماعة الناقمين من ابن زيدون للحادث. ووصل النبأ إلى عائشة فتلقته في حيرة ووجوم. أتحزن أم تسر؟ لا تدري. تحزن، لأن عدوها الذي عملت على سجنه وتعذيبه أصبح حرا طليقا، وتسر، لأن أملا خافقا يخدعها بأن فراره قد يمهد لها السبيل إلى لقائه، وأن لقاءه قد يدفعه طوعا أو كرها إلى الرجوع إليها وإضفاء محبته عليها. فقابلت راميرز وقالت له: إن ابن زيدون فر من سجنه.
فأجابها مسرعا: حسنا فعل. وهو سيكون شجا في حلق ابن جهور، والعرب تقول: الكلاب على البقر! - أي كلاب؟ وأي بقر يا راميرز؟ - ماذا تريدين؟ - أريد أن أعرف مكانه دون أن أقبض عليه. - وهل تطلبين معونتي؟ - لا. ثم ابتسمت وقالت: لا أدري لم أحدثك في هذا؟ ولكنه ضعف النساء الذي ينتابني بين الحين والحين.
Página desconocida