فنتر ابن زيدون ذراعه نحوه كالمغضب، فقهقه الحارس وقال: هكذا أنت دائما ساخط على الدنيا.
وكان ابن زيدون قد جاوزه بعيدا فعاد الاطمئنان إلى نفسه، وسار في سرعة يخترق دروب قرطبة وأزقتها، حتى بلغ دار حمدانة ابنة خال نائلة فطرق الباب في وجل ورعب، ففتحت العجوز الباب وصاحت مذعورة: اللص! اللص! فدفعها ابن زيدون بيده في رفق، ودخل وأغلق الباب دونه، وقدمت حمدانة ضاحكة من بلاهة خادمتها، ولكنها حينما رأت زي ابن زيدون لعب برأسها الشك، ولمح ابن زيدون ذلك في وجهها، فهمس: أنا يا سيدتي ضيف نائلة، فشدت حمدانة على يده في بشر وترحيب، ثم جذبته إلى حجرة من الدار منعزلة أعدت له فيها طعاما شهيا. ودار الحديث طويلا حول قصة سجنه وما لاقى من عنت وآلام، ثم في طريقة خلاصه وما فيها من مغامرة وإقدام. وقضى ابن زيدون ليله قلقا ينفس عن نفسه بالشعر ويقول:
شحطنا وما بالدار نأي ولا شحط
وشط بمن نهوى المزار وما شطوا
أأحبابنا ألوت بحادث عهدنا
حوادث لا عقد عليها ولا شرط
لعمركم إن الزمان الذي قضى
بشت جميع الشمل منا لمشتط!
ألا هل أتى الفتيان أن فتاهم
فريسة من يعدو ونهزة من يسطو
Página desconocida