فيقصر عن لوم المحب عتاب؟
علام الصبا غض يرف رواؤه
إذا عن من وصل الحسان ذهاب؟
وفيم الهوى محض يشف صفاؤه
إذا لم يكن منهن عنه ثواب؟
تظن النوى تعدو الهوى عن مزارها
وداعي الهوى نحو البعيد مجاب
ثم يتخيل نفسه وهو يقرب منها ليرى أين انتهت في الكتابة، فيفعمه من شعرها طيب فردوسي الشذا سماوي النفحات. وتنتهي القصيدة ويحييها وينصرف وهو أشغف الناس بها.
ثم تتجمع الأشعة وتتكون الصور في سرعة وتعاقب: فيرى أنه أصبح لعائشة عبدا، وأن إرادته سلبت منه سلبا، وأنه صار شبحا يروح ويجيء كما تريد هي أن يروح ويجيء، وقد انطفأ في نفسه كل أمل، ومات كل طموح، وخمدت كل عزيمة. ثم تطير كل هذه الصور، وتتجمع أشعة جديدة تبرز صورة صارخة الألوان، هي صورة الرسائل التي كان يبعث بها إليها أيام جنونه بغرامها، فيئن أنين المجروح، ويطبق عينيه في ألم ممض قاتل.
استيقظ ابن زيدون من نومه في رائعة الضحا فدخلت إحدى جواريه وهي تقول: هذه رسالة يا سيدي جاء بها بلال عبد سيدتي عائشة ولم ينتظر. فيأخذ ابن زيدون الرسالة بيد ترتعد، ثم يفض غلافها ويقرأ:
Página desconocida