فبلغ الشافعي رحمه الله تعالى قولها ، فقال : المجنون من عرف قدر العلم ثم ضيعه ، أو توانى فيه حتى فاته . وقال بعض الكتاب : كنا إذا دخلنا على أبي الفضل بن العميد ، رأينا إلى جانبه في مجلس العمل زهاء مائة مجلدة ، فننكر ذلك ، ففطن يوما لإنكارنا فقال : إني أحفظ جميع ما في هذه الكتب ، فإذا اشتغلت بالعمل عن درسها ، أحضرتها عندي ، فكلما نظرت إليها ذكرت محفوظي منها ، فقام ذلك لي مقام الدرس .
ثم قال لرجل منا : خذ أيها شئت .
فأخذ الرجل منها كتابا ، وقال : هو الثاني من كتاب كذا .
فابتدأ أبو الفضل فقرأ من أوله صدرا ، ثم من وسطه ، ثم من آخره ، فتحقق عندنا أنه صدق ما قال ، وعجبنا من حفظه وعنايته وحرصه .
وكان يأخذ ابنه أبا الفتح كل يوم بدرس ألفي بيت قبل الغداء .
وكان يحفظ أكثر من مائتي ألف بيت .
وكان الأصمعي يحفظ اثنتي عشرة ألف أرجوزة ، فيها ما كان عدد أبياته المائة والمائتين .
وكان الشيخ أبو علي من الموصوفين بسرعة الحفظ .
Página 79