غير أن في بعض أحاديثه صعوبة وإجمالا يحتاجان إلى الحل والبيان، والكشف عن وجه عرائسه الحسان، غمست بذلك في خدرها زمانا فلا تستطاع، ولم تتعلق بنيلها الأطماع، إلى أن من الله على عباده المؤمنين وأوليائه المتقين، المجدين في طلب العلم، المجتهدين مثل العالم العلامة، البحر الحبر الفهامة، الجامع بين المعقول والمنقول، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عامر بن أبي ستة السدويكشي، رجع من مصر القاهرة البهية، إلى جزيرة جربة <1/2> الفاخرة المحمية، في رجب سنة ثمان وستين وألف، فشمر عن ساق الجد والاجتهاد، في شرح هذا الكتاب وغيره من كتب الأصحاب، وحل صعوبتها، وبين مجملها ومشكلها ترغيبا للطلاب، ورجاء جزيل الثواب من الملك الوهاب، جازاه الله بحسن صنيعه الجنة العلية، والغرف البهية في جوار خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الخيرية، وهذا أول كلامه بعد قول المصنف.
<1/3>الباب الأول
في النية
قوله: «نية المؤمن خير من عمله».
بدأ رحمه الله بحديثي النية تنبيها للطالب على مزيد الاعتناء والاهتمام بحسن النية، والإخلاص في الأعمال، فإنه روحها الذي به قوامها، وبفقده تصير هباء منثورا.
قال الشيخ أبو طاهر رحمه الله في القواعد بعد ذكر الحديث ومعناه والله أعلم: "إن النية في نفسها خير من الأعمال إذا كانت لا تصح إلا بها، ونية المؤمن اعتقاده طاعة الله ولو عاش ألف سنة، وإن مات دونها انقطع عمله ولم تنقطع نيته" إلى آخره.
وقوله رحمه الله: «ونية المؤمن» هو بالواو فيما رأيناه من النسخ، والظاهر أن يكون بالواو ليكون توجيها ثانيا للحديث. وحاصل التوجيهين: إنما كانت النية أفضل من الأعمال إما لتوقف صحة العمل عليها، وإما لأنها مستدامة والعمل منقطع، ثم ظهر أن الأولى صنيعه رحمه الله، فتكون خيرية النية معللة بوجهين: أحدهما توقف الأعمال عليها، والثاني دوامها مع انقطاع العمل.
Página 2