القدير الحق بعجز، ولا أن يتوهم فيه أنه غير قادر على شيء من الأشياء أصلا، وعدم [تعلق] قدرته على إدخال الدنيا في بيضة من غير أن تصغر تلك أو تكبر هذه وعلى سائر الممتنعات (1) الذاتية ليس من نقص في قدرته ولا من حيث إنه ليس قادرا على شيء من ذلك، إنما هو لنقصان في المفروض مقدورا عليه؛ إذ لا حظ له من الشيئية في الأعيان ولا في الأذهان (2) ولا حقيقة له بشيء من الاعتبارات، ولو تحقق له حظ من الشيئية لكان تعلق القدرة به كغيره من الأشياء، وجعل الحديثين الأولين شاهدين لهذا.
الثاني أن ما يعقل ويتصور من إدخال الدنيا في بيضة وأقل منها من غير كبر ولا صغر إنما هو بحسب الوجود الانطباعي الارتسامي، والله سبحانه قادر عليه، كما نشاهده من إدخال نصف كرة العالم تقريبا في إنسان العين الذي هو مقدار العدسة أو أصغر، وأما بحسب الوجود العيني فليس ذلك شيئا كما مر، وجعل رواية الكتاب والرواية الأخيرة شاهدتين له.
ويمكن أن يقال: ظاهر الروايات والمفهوم منها إنما هو السؤال عن الوجود العيني وإن قوله (عليه السلام): " إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة " إنما هو رفع لاستبعاد ثبوت الشيء بإثبات نظيره؛ إذ لا شك أن الانطباع والارتسام إنما يجزم به العقل في صورة مقابلة المرتسم للمرتسم فيه ومحاذاته له، فلو فرض خروج بعض الأجزاء عن المقابلة والمحاذاة لم يجزم العقل إلا بارتسام المحاذي فقط، فإذا وجد ارتسام ما هو أعظم من المرتسم فيه بكرات ومرات لا يحصيها إلا الله سبحانه من غير انقباض في المرتسم ولا انبساط في المرتسم فيه ، مع جزم العقل بخروج (3) إلا القليل من المرتسم عن مقابلة المرتسم فيه، كما في المشاهد وإنسان العين مع عدم إذعان العقول بكيفيته
Página 76