324

Comentario sobre el Tafsir al-Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Géneros

للمستوقدين فهي على حقيقتها. والمعنى أنهم لما أوقدوا نارا فذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات هائلة أدهشهم بحيث اختلت حواسهم وانتقصت قواهم. وثلاثتها قرئت بالنصب على الحال من مفعول تركهم. والصمم أصله صلابة من اكتناز الأجزاء، ومنه قيل: حجر أصم وقناة صماء وصمام القارورة سمي به فقدان حاسة السمع لأن سببه أن يكون باطن الصماخ مكتنزا لا تجويف فيه يشتمل على هواء يسمع الصوت بتموجه والبكم حكم بأن ألفاظ صم بكم عمي تكون حينئذ محمولة على حقيقتهم؟ قلنا: لا نسلم أن نهاية أمره ذلك فإن من وقع في الظلمة الهائلة والدهشة المفرطة قد يغلب عليه الخوف وربما يؤديه إلى الموت فضلا عن أدائه إلى بطلان القوى واختلال الحواس كما أن الهم المفرط يؤدي إلى إسراع الشيب. روي أنه سافر رجلان فلاحت لهما شجرة يقال لها عشرة بضم العين فقال أحدهما: أرى أن قوما قصدونا، فقال الآخر، إنما هي عشرة فظنه يقول عشرة بالفتح فجعل يقول: هم عشرة وما غناء اثنين في عشرة ويضرط حتى مات من الخوف، فضربوه مثلا للجبانة المفرطة فقالوا: إنه أجبن من المنزوف ضرطا، والمنزوف من فقد شيء من مهماته كالحياة ونحوها. فإذا كان ذهب الله بنورهم جواب «لما» كانت الجملة الشرطية وهي قوله سبحانه وتعالى: فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم معطوفة على الصلة وهي قوله تعالى:

استوقد نارا وكان قوله: وتركهم في ظلمات مؤكدا ومقررا للجملة المعطوفة على الصلة وكان لا يبصرون حالا من ضمير تركهم وكان جملة صم بكم حالا أخرى منه أو من ضمير لا يبصرون فإنه يجوز أن تقع الجملة الإسمية حالا بغير واو كما في قولك: كلمته فوه إلى في. فيكون الكلام الذي ساقه من تمام الصلة ومتعلقاتها فيكون التشبيه بمستوقد أوقد نارا وانتفع بها مدة ثم انطفأت ناره فوقع في ظلمة هائلة وحيرة ودهشة عظمتين مؤديتين إلى بطلان قواه فلما أمكن حمل الكلام على حقيقته تعين الحمل عليه إذ لا ضرورة داعية إلى حمله على غير حقيقته. قوله: (وثلاثتها) أي الصفات الثلاث وهي قوله تعالى:

صم بكم عمي قرئت منصوبة على الحالية وهي لا تنافي حملها على التشبيه البليغ.

قوله: (من اكتناز الأجزاء) أي من اجتماعها متكاثفة غير متخلخلة يقال: ناقة كناز بالكسر مكتنزة اللحم، وحجر أصم أي صلب مصمت، وقناة صماء أي مكتنزة محكمة غير مجوفة وصمام القارورة سدادها وإحكامها يقال: صممت القارورة أي سددت فمها، وجميع ذلك مأخوذ من الصم بمعنى الصلابة وحاسة السمع هي القوة المودعة في العصب المجوف المخلوق في الصماخ فإذا وصل الهواء المتكيف بكيفية الصوت إلى ذلك العصب خلق الله للعبد إدراك ذلك الصوت، ويسمى فقدان حس السمع بالصمم لأن سبب ذلك الفقدان كون باطن الصماخ ممتلئا بشيء بحيث يمنع وصول الهواء المتكيف بكيفية الصوت إلى الصماخ.

Página 330