297

Comentario sobre el Tafsir al-Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Géneros

كلقيان ولقيان تجاوز الحد في العتو والغلو في الكفر، وأصله تجاوز الشيء عن مكانه قال تعالى: إنا لما طغى الماء حملناكم [الحاقة: 11] والعمه في البصيرة كالعمى في البصر وهو التحير في الأمر يقال: رجل عامه وعمه وأرض عمهاء لامنا ربها قال:

أعمى الهدى بالجاهلين العمه

أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى اختاروها عليه واستبدلوها به وأصله بذل الثمن لتحصيل ما يطلب من الأعيان، فإن كان أحد العوضين ناضا تعين من حيث إنه لا يطلب لعينه أن يكون ثمنا وبذله اشتراء، وإلا فأي العوضين تصورته بصورة الثمن فباذله مشتري وآخذه بائع ولذلك عدت الكلمتان من الأضداد. ثم استعير للإعراض عما في يده محصلا به غيره سواء كان من المعاني أو الأعيان.

وقوله: «وهم مع ذلك يعمهون في طغيانهم» إشارة إلى كيفية صرف الآية عن ظاهرها فإن ظاهرها يدل على أن قوله: في طغيانهم متعلق «بيمدهم» فجعله متعلقا «بيعمهون» وجعل «يعمهون» خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة لبيان عدم انتفاعهم بما أمدهم الله تعالى به.

قوله: (كلقيان ولقيان) فإنهما مصدران بمعنى اللقاء. يقال: لقيته لقاء بالمد ولقي بالضم والقصر ولقيا بالتشديد ولقيانا ولقيانة واحدة ولقية واحدة ولقية واحدة. ولقاة واحدة. قال الواحدي: كل شيء جاوز القدر فقد طغى. ومنه قوله تعالى: إنا لما طغى الماء [الحاقة: 11] وقيل لفرعون إنه: «طغى» أي أسرف في العصيان حتى ادعى الربوبية. قوله: (وأرض عمهاء) الظاهر أنه من توصيف المحل بوصف من حل فيه، والمنار علم الطريق الجوهري: عمه الرجل بكسر الميم فهو عمه وعامه والجمع عمه. قال رؤبة:

ومهمه أطرافه في مهمه ... (أعمى الهدى بالجاهلين العمه)

وأرض عمهاء لا علم بها. انتهى. أي رب مفازة لا تنتهي سعة بل أطرافها من جوانبها متصلة بمفازة أخرى. أعمى الهدى أي خفي المنار بالقياس إلى من لا دراية له بالمالك، وبالجاهلين متعلق بأعمى الهدى وهو صفة بعد صفة لقوله: «ومهمه» أي هدى المهمه أعمى بالنسبة إلى الجاهلية بجهات المفاوز وكيفية الوصول منها إلى المطالب. ووصف الهدى بكونه أعمى والمراد عمى سالك المهمه وهدى المهمه كونه بين الأعلام واضح المسالك، وإضافة الأعمى إلى الهدى من قبيل إضافة الصفة إلى فاعلها كما في قولك: أسود المقلة وأحمر الخد؛ جعل الشاعر خفاء العلم عمى له بطريق الاستعارة. ثم إنه تعالى لما بين أن يجازي المنافقين على استهزائهم بالمؤمنين بقوله: الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم قال: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى تعليلا لاستحقاقهم الاستهزاء الأبلغ والمد في

Página 303