Glosa sobre Sunan Abi Dawud
حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية)
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الثانية
Año de publicación
1415 - 1995
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله بعد قول الحافظ زكي الدين وقال الترمذي حديث غريب وقال الترمذي سألت محمدا عن هذا الحديث فقال حديث صحيح
وقد أعل بن حزم حديث جابر بأنه عن أبان بن صالح وهو مجهول ولا يحتج برواية مجهول
قال بن مفوز أبان بن صالح مشهور ثقة صاحب حديث
وهو أبان بن صالح بن عمير أبو محمد القرشي مولى لهم المكي
روى عنه بن جريج وبن عجلان وبن إسحاق وعبيد الله بن أبي جعفر
Página 18
استشهد بروايته البخاري في صحيحه عن مجاهد والحسن بن مسلم وعطاء وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان @ والنسائي وهو والد محمد بن أبان بن صالح بن عمير الكوفي الذي روى عنه أبو الوليد وأبو داود الطيالسي وحسين الجعفي وغيرهم وجد أبي عبد الرحمن مشكدانه شيخ مسلم وكان حافظا
وأما الحديث فإنه انفرد به محمد بن إسحاق وليس هو ممن يحتج به في الأحكام
فكيف أن يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح أو ينسخ به السنن الثابتة مع أن التأويل في حديثه ممكن والمخرج منه معرض
Página 19
تم كلامه @ وهو لو صح حكاية فعل لا عموم لها ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان وهل كان لعذر من ضيق مكان ونحوه أو اختيارا فكيف يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع فإن قيل فهب أن هذا الحديث معلول فما يقولون في حديث عراك عن عائشة ذكر عند @ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قد فعلوها استقبلوا بمقعدتي القبلة @ فالجواب أن هذا الحديث لا يصح وإنما هو موقوف على عائشة
حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري
وقال بعض الحفاظ هذا حديث لا يصح وله علة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة المعانون عليها
وذلك أن خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه ولا أقام إسناده
خالفه فيه الثقة الثبت صاحب عراك بن مالك المختص به الضابط لحديثه جعفر بن ربيعة الفقيه فرواه عن عراك عن عروة عن عائشة أنها كانت تنكر ذلك
فبين أن الحديث لعراك عن عروة ولم يرفعه ولا يجاوز به عائشة
وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عراك بن مالك مع صحة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهرتها بخلاف ذلك
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في
كتاب المراسيل
عن الأثرم قال سمعت أبا عبد الله وذكر حديث خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فقال مرسل
Página 22
فقلت له @ عراك بن مالك قال سمعت عائشة فأنكره وقال عراك بن مالك من أين سمع عائشة ما له ولعائشة إنما يرويه عن عروة هذا خطأ
قال لي من روى هذا قلت حماد بن سلمة عن خالد الحذاء
قال رواه غير واحد عن خالد الحذاء وليس فيه سمعت
Página 23
وقال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت @ فإن قيل قد روى مسلم في صحيحه حديثا عن عراك عن عائشة
قيل الجواب أن أحمد وغيره خالفه في ذلك وبينوا أنه لم يسمع منها
وقال في آخر باب التكشف عند الحاجة
بعد قول الحافظ زكي الدين ( والذي قاله الترمذي هو المشهور )
وقال حنبل ذكرت لأبي عبد الله يعني أحمد حديث الأعمش عن أنس فقال لم يسمع الأعمش من أنس ولكن رآه زعموا أن غياثا حدث الأعمش بهذا عن أنس
ذكره الخلال في العلل
وقال الخلال أيضا حدثنا مهنا قال سألت أحمد لم كرهت مراسيل الأعمش قال كان لا يبالي عمن حدث
Página 24
قلت كان له رجل ضعيف سوى يزيد الرقاشي وإسماعيل بن مسلم قال نعم كان يحدث عن غياث بن إبراهيم عن @ أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد سألته عن غياث بن إبراهيم فقال كان كذوبا
وقال في آخر باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء بعد قول الحافظ زكي الدين وإنما يكون غريبا كما قال الترمذي والله عز وجل أعلم قلت هذا الحديث رواه همام وهو ثقة عن بن جريج عن الزهري عن أنس
قال الدارقطني في
كتاب العلل
رواه سعيد بن عامر وهدبة بن خالد عن همام عن بن جريج عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وخالفهم عمرو بن عاصم فرواه عن همام عن بن جريج عن الزهري عن أنس أنه كان إذا دخل الخلاء موقوفا ولم يتابع عليه
ورواه يحيى بن المتوكل ويحيى بن الضريس عن بن جريج عن الزهري عن أنس نحو قول سعيد بن عامر ومن تابعه عن همام
ورواه عبد الله بن الحرث المخزومي وأبو عاصم وهشام بن سليمان وموسى بن طارق عن بن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فاضطرب الناس الخواتيم فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا ألبسه أبدا وهذا هو المحفوظ والصحيح عن بن جريج
انتهى كلام الدارقطني
وحديث يحيى بن المتوكل الذي أشار إليه رواه البيهقي من حديث يحيى بن المتوكل عن بن جريج به ثم قال هذا شاهد ضعيف
وإنما ضعفه لأن يحيى هذا قال فيه الإمام أحمد واهي الحديث وقال بن معين ليس بشيء وضعفه الجماعة كلهم
وأما حديث يحيى بن الضريس فيحيى هذا ثقة فينظر الإسناد إليه
Página 25
وهمام وإن @ كان ثقة صدوقا احتج به الشيخان في الصحيح فإن يحيى بن سعيد كان لا يحدث عنه ولا يرضى حفظه
قال أحمد ما رأيت يحيى أسوأ رأيا منه في حجاج يعني بن أرطاة وبن إسحاق وهمام لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم
وقال يزيد بن زريع وسئل عن همام كتابه صالح وحفظه لا يساوي شيئا
وقال عفان كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه وكان يخالف فلا يرجع إلى كتاب وكان يكره ذلك
قال ثم رجع بعد فنظر في كتبه فقال يا عفان كنا نخطىء كثيرا فنستغفر الله عز وجل
ولا ريب أنه ثقة صدوق ولكنه قد خولف في هذا الحديث فلعله مما حدث به من حفظه فغلط فيه كما قال أبو داود والنسائي والدارقطني
وكذلك ذكر البيهقي أن المشهور عن بن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه
وعلى هذا فالحديث شاذ أو منكر كما قال أبو داود وغريب كما قال الترمذي
فإن قيل فغاية ما ذكر في تعليله تفرد همام به وجواب هذا من وجهين أحدهما أن هماما لم ينفرد به كما تقدم
الثاني أن هماما ثقة وتفرد الثقة لا يوجب نكارة الحديث
فقد تفرد عبد الله بن دينار بحديث النهي عن بيع الولاء وهبته وتفرد مالك بحديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر
فهذا غايته أن يكون غريبا كما قال الترمذي وأما أن يكون منكرا أو شاذا فلا
قيل التفرد نوعان تفرد لم يخالف فيه من تفرد به كتفرد مالك وعبد الله بن دينار بهذين الحديثين وأشباه ذلك
وتفرد خولف فيه المتفرد كتفرد همام بهذا المتن على هذا الإسناد فإن الناس خالفوه فيه وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق الحديث فهذا هو المعروف عن بن جريج عن الزهري فلو لم يرو هذا عن بن جريج وتفرد همام بحديثه لكان نظير حديث عبد الله بن دينار ونحوه
فينبغي مراعاة هذا الفرق وعدم إهماله
وأما متابعة يحيى بن المتوكل فضعيفة وحديث بن الضريس ينظر في حاله ومن أخرجه
Página 26
فإن قيل هذا الحديث كان عند الزهري على وجوه كثيرة كلها قد رويت عنه في قصة الخاتم فروى شعيب بن أبي حمزة وعبد الرحمن بن خلاد بن مسافر عن الزهري كرواية زياد بن سعد هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ورواه يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق فصه حبشي ورواه سليمان بن بلال وطلحة بن يحيى ويحيى بن نصر بن حاجب عن يونس عن @ الزهري وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما من فضة في يمينه فيه فص حبشي جعله في باطن كفه ورواه إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ آخر قريب من هذا ورواه همام عن بن جريج عن الزهري كما ذكره الترمذي وصححه
وإذا كانت هذه الروايات كلها عند الزهري فالظاهر أنه حدث بها في أوقات فما الموجب لتغليط همام وحده
قيل هذه الروايات كلها تدل على غلط همام فإنها مجمعة على أن الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتم ولبسه وليس في شيء منها نزعه إذا دخل الخلاء
فهذا هو الذي حكم لأجله هؤلاء الحفاظ بنكارة الحديث وشذوذه
والمصحح له لما لم يمكنه دفع هذه العلة حكم بغرابته لأجلها فلو لم يكن مخالفا لرواية من ذكر فما وجه غرابته ولعل الترمذي موافق للجماعة فإنه صححه من جهة السند لثقة الرواة واستغربه لهذه العلة وهي التي منعت أبا داود من تصحيح متنه فلا يكون بينهما اختلاف بل هو صحيح السند لكنه معلول
Página 27
والله أعلم @ قال الشيخ شمس الدين بن القيم في باب فرض الوضوء قوله مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم
اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام
الحكم الأول أن مفتاح الصلاة الطهور والمفتاح ما يفتح به الشيء المغلق فيكون فاتحا له ومنه مفتاح الجنة لا إله إلا الله وقوله مفتاح الصلاة الطهور يفيد الحصر وأنه لا مفتاح لها سواه من طريقين أحدهما حصر المبتدأ في الخبر إذا كانا معرفتين
فإن الخبر لا بد وأن يكون مساويا للمبتدأ أو أعم منه ولا يجوز أن يكون أخص منه
فإذا كان المبتدأ معرفا بما يقتضي عمومه كاللام وكل ونحوهما ثم أخبر عنه بخبر اقتضى صحة الإخبار أن يكون إخبارا عن جميع أفراد المبتدأ فإنه لا فرد من أفراده إلا والخبر حاصل له
وإذا عرف هذا لزم الحصر وأنه لا فرد من أفراد ما يفتتح به الصلاة إلا وهو الطهور
فهذا أحد الطريقين
والثاني أن المبتدأ مضاف إلى الصلاة والإضافة تعم
فكأنه قيل جميع مفتاح الصلاة هو الطهور
وإذا كان الطهور هو جميع ما يفتح به لم يكن لها مفتاح غيره
ولهذا فهم جمهور الصحابة والأمة أن قوله تعالى
﴿وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن﴾
أنه على الحصر أي مجموع أجلهن الذي لا أجل لهن سواه
وضع الحمل
Página 59
وجاءت السنة مفسرة لهذا الفهم مقررة له بخلاف قوله
﴿والمطلقات يتربصن﴾
فإنه فعل لا عموم له بل @ هو مطلق وإذا عرف هذا ثبت أن الصلاة لا يمكن الدخول فيها إلا بالطهور
وهذا أدل على الاشتراط من قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ من وجهين أحدهما أن نفي القبول قد يكون لفوات الشرط وعدمه
وقد يكون لمقارنة محرم يمنع من القبول كالإباق وتصديق العراف وشرب الخمر وتطيب المرأة إذا خرجت للصلاة ونحوه
الثاني أن عدم الافتتاح بالمفتاح يقتضي أنه لم يحصل له الدخول فيها وأنه مصدود عنها كالبيت المقفل على من أراد دخوله بغير مفتاح
وأما عدم القبول فمعناه عدم الاعتداد بها وأنه لم يرتب عليها أثرها المطلوب منها بل هي مردودة عليه
وهذا قد يحصل لعدم ثوابه عليها ورضا الرب عنه بها وإن كان لا يعاقبه عليها عقوبة تاركها جملة بل عقوبة ترك ثوابه وفوات الرضا لها بعد دخوله فيها
بخلاف من لم يفتحها أصلا بمفتاحها فإن عقوبته عليها عقوبة تاركها
وهذا واضح
فإن قيل فهل في الحديث حجة لمن قال إن عادم الطهورين لا يصلي حتى يقدر على أحدهما لأن صلاته غير مفتتحة بمفتاحها فلا تقبل منه قيل قد استدل به من يرى ذلك ولا حجة فيه
ولا بد من تمهيد قاعدة يتبين بها مقصود الحديث وهي أن ما أوجبه الله تعالى ورسوله أو جعله شرطا للعبادة أو ركنا فيها أو وقف صحتها عليه هو مقيد بحال القدرة لأنها الحال التي يؤمر فيها به
وأما في حال العجز فغير مقدور ولا مأمور فلا تتوقف صحة العبادة عليه
وهذا كوجوب القيام والقراءة والركوع والسجود عند القدرة وسقوط ذلك بالعجز وكإشتراط ستر العورة واستقبال القبلة عند القدرة ويسقط بالعجز
وقد قال لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ولو تعذر عليها الخمار صلت بدونه وصحت صلاتها
وكذلك قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ فإنه لو تعذر عليه الوضوء صلى بدونه وكانت صلاته مقبولة
Página 60
وكذلك قوله لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود فإنه لو كسر صلبه وتعذر عليه إقامته أجزأته صلاته ونظائره كثيرة فيكون الطهور مفتاح الصلاة هو من هذا @ لكن هنا نظر آخر وهو أنه إذا لم يمكن اعتبار الطهور عند تعذره فإنه يسقط وجوبه فمن أين لكم أن الصلاة تشرع بدونه في هذه الحال وهذا حرف المسألة وهلا قلتم إن الصلاة بدونه كالصلاة مع الحيض غير مشروعة لما كان الطهور غير مقدور للمرأة فلما صار مقدورا لها شرعت لها الصلاة وترتبت في ذمتها فما الفرق بين العاجز عن الطهور شرعا والعاجز عنه حسا فإن كلا منهما غير متمكن من الطهور
قيل هذا سؤال يحتاج إلى جواب
وجوابه أن يقال زمن الحيض جعله الشارع منافيا لشرعية العبادات من الصلاة والصوم والاعتكاف
فليس وقتا لعبادة الحائض فلا يترتب عليها فيه شيء
وأما العاجز فالوقت في حقه قابل لترتب العبادة المقدورة في ذمته فالوقت في حقه غير مناف لشرعية العبادة بحسب قدرته بخلاف الحائض فالعاجز ملحق بالمريض المعذور الذي يؤمر بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه والحائض ملحقة بمن هو من غير أهل التكليف فافترقا
ونكتة الفرق أن زمن الحيض ليس بزمن تكليف بالنسبة إلى الصلاة بخلاف العاجز فإنه مكلف بحسب الاستطاعة وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي بعث أناسا لطلب قلادة أضاعتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم
فلم ينكر النبي عليهم ولم يأمرهم بالإعادة وحالة عدم التراب كحالة عدم مشروعيته ولا فرق فإنهم صلوا بغير تيمم لعدم مشروعية التيمم حينئذ
فهكذا من صلى بغير تيمم لعدم ما يتيمم به فأي فرق بين عدمه في نفسه وعدم مشروعيته
فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلي على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ويعيد لأنه فعل ما أمر به فلم يجب عليه الإعادة كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك فهذا موجب النص والقياس
فإن قيل القيام له بدل وهو القعود فقام بدله مقامه كالتراب عند عدم الماء والعادم هنا صلى بغير أصل ولا بدل
قيل هذا هو مأخذ المانعين من الصلاة والموجبين للاعادة ولكنه منتقض بالعاجز عن السترة
فإنه يصلي من غير اعتبار بدل وكذلك العاجز عن الاستقبال وكذلك العاجز عن القراءة والذكر
وأيضا فالعجز عن البدل في الشرع كالعجز عن المبدل منه سواء
هذه قاعدة الشريعة
Página 61
وإذا كان عجزه عن المبدل لا يمنعه من الصلاة فكذلك عجزه عن البدل وستأتي المسألة مستوفاة في باب التيمم إن شاء الله @ وفي الحديث دليل على اعتبار النية في الطهارة بوجه بديع
وذلك لأنه جعل الطهور مفتاح الصلاة التي لا تفتتح ويدخل فيها إلا به وما كان مفتاحا للشيء كان قد وضع لأجله وأعد له
فدل على أن كونه مفتاحا للصلاة هو جهة كونه طهورا فإنه إنما شرع للصلاة وجعل مفتاحا لها ومن المعلوم أن ما شرع للشيء ووضع لأجله لا بد أن يكون الآتي به قاصدا ما جعل مفتاحا له ومدخلا إليه هذا هو المعروف حسا كما هو ثابت شرعا ومن المعلوم أن من سقط في ماء وهو لا يريد التطهر لم يأت بما هو مفتاح الصلاة فلا تفتح له الصلاة وصار هذا كمن حكى عن غيره أنه قال لا إله إلا الله وهو غير قاصد لقولها فإنها لا تكون مفتاحا للجنة منه لأنه لم يقصدها
وهكذا هذا لما لم يقصد الطهور لم يحصل له مفتاح الصلاة ونظير ذلك الإحرام هو مفتاح عبادة الحج ولا يحصل له إلا بالنية فلو اتفق تجرده لحر أو غيره ولم يخطر بباله الإحرام لم يكن محرما بالاتفاق
فهكذا هذا يجب أن لا يكون متطهرا
وهذا بحمد الله بين
فصل الحكم الثاني قوله وتحريمها التكبير وفي هذا من حصر التحريم في التكبير نظير ما تقدم في حصر مفتاح الصلاة في الطهور من الوجهين وهو دليل بين أنه لا تحريم لها إلا التكبير
وهذا قول الجمهور وعامة أهل العلم قديما وحديثا وقال أبو حنيفة
ينعقد بكل لفظ يدل على التعظيم
فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث ثم اختلفوا فقال أحمد ومالك وأكثر السلف يتعين لفظ الله أكبر وحدها وقال الشافعي يتعين أحد اللفظين الله أكبر والله الأكبر وقال أبو يوسف يتعين التكبير وما تصرف منه نحو الله الكبير ونحوه وحجته أنه يسمى تكبيرا حقيقة فيدخل في قوله تحريمها التكبير وحجة الشافعي أن المعرف في معنى المنكر فاللام لم تخرجه عن موضوعه بل هي زيادة في اللفظ غير مخلة بالمعنى بخلاف الله الكبير وكبرت الله ونحوه فإنه ليس فيه من التعظيم والتفضيل والاختصاص ما في لفظه الله أكبر
والصحيح قول الأكثرين وأنه يتعين الله أكبر لخمس حجج إحداها قوله تحريمها التكبير واللام هنا للعهد فهي كاللام في قوله مفتاح الصلاة الطهور وليس المراد به كل طهور بل الطهور الذي واظب عليه رسول الله وشرعه لأمته وكان فعله له تعليما وبيانا لمراد الله من كلامه
وهكذا التكبير هنا هو التكبير المعهود الذي نقلته الأمة نقلا ضروريا خلفا عن سلف عن نبيها أنه كان يقوله في كل صلاة لا يقول غيره ولا مرة واحدة
Página 62
فهذا هو المراد بلا شك في قوله تحريمها التكبير وهذا حجة على من جوز الله الأكبر والله الكبير فإنه وإن سمي تكبيرا لكنه ليس التكبير المعهود المراد بالحديث @ الحجة الثانية أن النبي قال للمسيء في صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولا يكون ممتثلا للأمر إلا بالتكبير
وهذا أمر مطلق يتقيد بفعله الذي لم يخل به هو ولا أحد من خلفائه ولا أصحابه
الحجة الثالثة ما روى أبو داود من حديث رفاعة أن النبي قال لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر
الحجة الرابعة أنه لو كانت الصلاة تنعقد بغير هذا اللفظ لتركه النبي ولو في عمره مرة واحدة لبيان الجواز
فحيث لم ينقل أحد عنه قط أنه عدل عنه حتى فارق الدنيا دل على أن الصلاة لا تنعقد بغيره
الحجة الخامسة أنه لو قام غيره مقامه لجاز أن يقوم غير كلمات الأذان مقامها وأن يقول المؤذن كبرت الله أو الله الكبير أو الله أعظم ونحوه
بل تعين لفظة الله أكبر في الصلاة أعظم من تعينها في الأذان لأن كل مسلم لا بد له منها وأما الأذان فقد يكون في المصر مؤذن واحد أو اثنان والأمر بالتكبير في الصلاة آكد من الأمر بالتكبير في الأذان
وأما حجة أصحاب الشافعي على ترادف الله أكبر والله الأكبر فجوابها
أنهما ليسا بمترادفين فإن الألف واللام اشتملت على زيادة في اللفظ ونقص في المعنى
وبيانه أن أفعل التفضيل إذا نكر وأطلق تضمن من عموم الفضل وإطلاقه عليه ما لم يتضمنه المعرف فإذا قيل
الله أكبر كان معناه
من كل شيء
وأما إذا قيل الله أكبر فإنه يتقيد معناه ويتخصص ولا يستعمل هذا إلا في مفضل عليه معين كما إذا قيل من أفضل أزيد أم عمرو فيقول زيد الأفضل
هذا هو المعروف في اللغة والاستعمال
فإن أداة التعريف لا يمكن أن يؤتى بها إلا مع من وأما بدون من فلا يؤتى بالأداة فإذا حذف المفضل عليه مع الأداة أفاد التعمم وهذا لا يتأتى مع اللام وهذا المعنى مطلوب من القائل الله أكبر بدليل ما روى الترمذي من حديث عدي بن حاتم الطويل أن النبي قال له ما يضرك أيضرك أن يقال الله أكبر فهل تعلم شيئا أكبر من الله وهذا مطابق لقوله تعالى
﴿قل أي شيء أكبر شهادة﴾
وهذا يقتضي جوابا لا شيء أكبر شهادة من الله فالله أكبر شهادة من كل شيء
كما أن قوله لعدي هل تعلم شيئا أكبر من الله يقتضي جوابا لا شيء أكبر من الله فالله أكبر من كل شيء
وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ المقصود منه استحضار هذا المعنى وتصوره سر عظيم يعرفه أهل الحضور المصلون بقلوبهم وأبدانهم
Página 63
فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل وقد علم أن لا شيء @ أكبر منه وتحقق قلبه ذلك وأشربه سره استحي من الله ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يشغل قلبه بغيره وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطرات وبالله المستعان
فلو كان الله أكبر من كل شيء في قلب هذا لما اشتغل عنه وصرف كلية قلبه إلى غيره كما أن الواقف بين يدي الملك المخلوق لما لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه صارف
فصل الحكم الثالث قوله تحليلها التسليم والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله
والكلام في التسليم على قسمين أحدهما أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم
وهذا قول جمهور العلماء
وقال أبو حنيفة لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها من حدث أو عمل مبطل ونحوه
واستدل له بحديث بن مسعود الذي رواه أحمد وأبو داود في تعليمه التشهد وبأن النبي لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان فرضا لعلمه إياه وبأنه ليس من الصلاة فإنه ينافيها ويخرج به منها ولهذا لو أتى به في أثنائها لأبطلها وإذا لم يكن منها علم أنه شرع منافيا لها والمنافي لا يتعين
هذا غاية ما يحتج له به
والجمهور أجابوا عن هذه الحجج
أما حديث بن مسعود فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ الصحيح أن قوله إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك من كلام بن مسعود فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام بن مسعود وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه وقد اتفق من روى تشهد بن مسعود رضي الله عنه على حذفه
وأما كون النبي لم يعلمه المسيء في صلاته فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة ولا تدل لأن المسيء لم يسيء في كل جزء من الصلاة فلعله لم يسيء في السلام بل هذا هو الظاهر فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام
وأيضا فلو قدر أنه أساء فيه لكان غاية ما يدل عليه ترك التعليم استصحاب براءة الذمة من الوجوب فكيف يقدم على الأدلة الناقلة لحكم الاستصحاب
Página 64
وأيضا فأنتم لم توجبوا في الصلاة كل ما أمر به المسيء فكيف تحتجون بترك أمره على عدم الوجوب ودلالة الأمر على الوجوب أقوى من دلالة تركه على نفي الوجوب فإنه قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولم توجبوا التكبير وقال ثم اركع حتى تطمئن راكعا وقلتم لو ترك الطمأنينة لم تبطل صلاته وإن كان مسيئا @ وأما قولكم إنه ليس من الصلاة فإنه ينافيها ويخرج منها به فجوابه أن السلام من تمامها وهو نهايتها ونهاية الشيء منه ليس خارجا عن حقيقته ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء بخلاف مفتاحها فإن إضافته إضافة مغاير بخلاف تحليلها فإنه يقتضي أنه لا يتحلل منها إلا به
وأما بطلان الصلاة إذا فعله في أثنائها فلأنه قطع لها قبل إتمامها وإتيان بنهايتها قبل فراغها فلذلك أبطلها فالتسليم آخرها وخاتمها كما في حديث أبي حميد يختم صلاته بالتسليم فنسبة التسليم إلى آخرها كنسبة تكبيرة الإحرام إلى أولها فقول الله أكبر أول أجزائها وقول السلام عليكم آخر أجزائها
ثم لو سلم أنه ليس جزءا منها فإنه تحليل لها لا يخرج منها إلا به وذلك لا ينفي وجوبه كتحللات الحج فكونه تحليلا لا يمنع الإيجاب
فإن قيل ولا يقتضي قيل إذا ثبت انحصار التحليل في السلام تعين الإتيان به وقد تقدم بيان الحصر من وجهين
فصل وقد دل هذا الحديث على أن كل ما تحريمه التكبير وتحليله التسليم فمفتاحه الطهور فيدخل في هذا الوتر بركعة خلافا لبعضهم
واحتج بقوله صلاة الليل والنهار مثنى مثنى
وجوابه أن كثيرا من الحفاظ طعن في هذه الزيادة ورأوها غير محفوظة
وأيضا فإن الوتر تحريمه التكبير وتحليله التسليم فيجب أن يكون مفتاحه الطهور
وأيضا فالمغرب وتر لا مثنى والطهارة شرط فيها
وأيضا فالنبي سمي الوتر صلاة بقوله فإذا خفت الصبح فصل ركعة توتر لك ما قد صليت
وأيضا فإجماع الأمة من الصحابة ومن بعدهم على أطلاق اسم الصلاة على الوتر
فهذا القول في غاية الفساد
Página 65
ويدخل في الحديث أيضا صلاة الجنازة لأن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وهذا قول أصحاب رسول الله لا يعرف عنهم فيه خلاف وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور الأمة خلافا لبعض التابعين @ وقد ثبت عن النبي تسميتها صلاة وكذلك عن الصحابة وحملة الشرع كلهم يسمونها صلاة
وقول النبي مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم هو فصل الخطاب في هذه المسائل وغيرها طردا وعكسا فكل ما كان تحريمه التكبير وتحليله التسليم فلا بد من افتتاحه بالطهارة
فإن قيل فما تقولون في الطواف بالبيت فإنه يفتتح بالطهارة ولا تحريم فيه ولا تحليل
قيل شرط النقض أن يكون ثابتا بنص أو إجماع
وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين أحدهما أنها شرط كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد
والثاني ليست بشرط نص عليه في رواية ابنه عبد الله وغيره بل نصه في رواية عبد الله تدل على أنها ليست بواجبة فإنه قال أحب إلي أن يتوضأ وهذا مذهب أبي حنيفة
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وهذا قول أكثر السلف قال وهو الصحيح فإنه لم ينقل أحد عن النبي أنه أمر المسلمين بالطهارة لا في عمره ولا في حجته مع كثرة من حج معه واعتمر ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبينه للأمة وتأخير البيان عن وقته ممتنع
فإن قيل فقد طاف النبي متوضأ وقال خذوا عني مناسككم
قيل الفعل لا يدل على الوجوب
والأخذ عنه هو أن يفعل كما فعل على الوجه الذي فعل فإذا كان قد فعل فعلا على وجه الاستحباب فأوجبناه لم نكن قد أخذنا عنه ولا تأسينا به مع أنه فعل في حجته أشياء كثيرة جدا لم يوجبها أحد من الفقهاء
فإن قيل فما تقولون في حديث بن عباس الطواف بالبيت صلاة
قيل هذا قد اختلف في رفعه ووقفه فقال النسائي والدارقطني وغيرهما الصواب أنه موقوف وعلى تقدير رفعه فالمراد شبيه بالصلاة كما شبه انتظار الصلاة بالصلاة وكما قال أبو الدرداء ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة وإن كنت في السوق ومنه قوله إن أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة فالطواف وإن سمي صلاة فهو صلاة بالاسم العام ليس بصلاة خاصة والوضوء إنما يشترط للصلاة الخاصة ذات التحريم والتحليل
فإن قيل فما تقولون في سجود التلاوة والشكر
قيل فيه قولان مشهوران أحدهما يشترط له الطهارة
Página 66
وهذا هو المشهور عند الفقهاء ولا يعرف @ كثير منهم فيه خلافا وربما ظنه بعضهم إجماعا
والثاني لا يشترط له الطهارة وهذا قول كثير من السلف حكاه عنهم بن بطال في شرح البخاري وهو قول عبد الله بن عمر ذكره البخاري عنه في صحيحه فقال وكان بن عمر يسجد للتلاوة على غير وضوء وترجمه البخاري واستدلاله يدل على اختياره إياه فإنه قال باب من قال يسجد على غير وضوء هذا لفظه
واحتج الموجبون للوضوء له بأنه صلاة قالوا فإنه له تحريم وتحليل كما قاله بعض أصحاب أحمد والشافعي
وفيه وجه أنه يتشهد له وهذا حقيقة الصلاة
والمشهور من مذهب أحمد عند المتأخرين أنه يسلم له
وقال عطاء وبن سيرين إذا رفع رأسه يسلم وبه قال إسحاق بن راهويه
واحتج لهم بقوله تحريمها التكبير وتحليلها التسليم قالوا ولأنه يفعل تبعا للامام ويعتبر أن يكون القارىء يصلح إماما للمستمع وهذا حقيقة الصلاة
قال الآخرون ليس معكم باشتراط الطهارة له كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح
وأما استدلالكم بقوله تحريمها التكبير وتحليلها التسليم فهو من أقوى ما يحتج به عليكم
فإن أئمة الحديث والفقه ليس فيهم أحد قط نقل عن النبي ولا عن أحد من أصحابه أنه سلم منه وقد أنكر أحمد السلام منه قال الخطابي وكان أحمد لا يعرف التسليم في هذا وقال الحسن البصري
ويذكر نحوه عن إبراهيم النخعي وكذلك المنصوص عن الشافعي أنه لا يسلم فيه
والذي يدل على ذلك أن الذين قالوا يسلم منه إنما احتجوا بقول النبي وتحليلها التسليم وبذلك احتج لهم إسحاق وهذا استدلال ضعيف فإن النبي وأصحابه فعلوها ولم ينقل عنهم سلام منها ولهذا أنكره أحمد وغيره وتجويز كونه سلم منه ولم ينقل كتجويز كونه سلم من الطواف
قالوا والسجود هو من جنس ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء ولهذا شرع في الصلاة وخارجها فكما لا يشترط الوضوء لهذه الأمور وإن كانت من أجزاء الصلاة فكذا لا يشترط للسجود وكونه جزءا من أجزائها لا يوجب أن لا يفعل إلا بوضوء
واحتج البخاري بحديث بن عباس أن النبي سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس
ومعلوم أن الكافر لا وضوء له
Página 67
قالوا وأيضا فالمسلمون الذين سجدوا معه لم ينقل أن النبي أمرهم بالطهارة ولا سألهم @ هل كنتم متطهرين أم لا ولو كانت الطهارة شرطا فيه للزم أحد الأمرين إما أن يتقدم أمره لهم بالطهارة وإما أن يسألهم بعد السجود ليبين لهم الاشتراط ولم ينقل مسلم واحدا منهما
فإن قيل فلعل الوضوء تأخرت مشروعيته عن ذلك وهذا جواب بعض الموجبين
قيل الطهارة شرعت للصلاة من حين المبعث ولم يصل قط إلا بطهارة أتاه جبريل فعلمه الطهارة والصلاة
وفي حديث إسلام عمر أنه لم يمكن من مس القرآن إلا بعد تطهره فكيف نظن أنهم كانوا يصلون بلا وضوء
قالوا وأيضا فيبعد جدا أن يكون المسلمون كلهم إذ ذاك على وضوء
قالوا وأيضا ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله يقرأ القرآن فيقرأ السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته
قالوا وقد كان يقرأ القرآن عليهم في المجامع كلها ومن البعيد جدا أن يكون كلهم إذ ذاك على وضوء وكانوا يسجدون حتى لا يجد بعضهم مكانا لجبهته ومعلوم أن مجامع الناس تجمع المتوضىء وغيره
قالوا وأيضا فقد أخبر الله تعالى في غير موضع من القرآن أن السحرة سجدوا لله سجدة فقبلها الله منهم ومدحهم عليها ولم يكونوا متطهرين قطعا ومنازعونا يقولون مثل هذا السجود حرام فكيف يمدحهم ويثني عليهم بما لا يجوز فإن قيل شرع من قبلنا ليس بشرع لنا
قيل قد احتج الأئمة الأربعة بشرع من قبلنا وذلك منصوص عنهم أنفسهم في غير موضع
قالوا سلمنا لكن ما لم يرد شرعنا بخلافه
قال المجوزون فأين ورد في شرعنا خلافه قالوا وأيضا فأفضل أجزاء الصلاة وأقوالها هو القراءة ويفعل بلا وضوء فالسجود أولى
قالوا وأيضا فالله سبحانه وتعالى أثنى على كل من سجد عند التلاوة فقال تعالى
﴿إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا﴾
وهذا يدل على أنهم سجدوا عقب تلاوته بلا فضل سواء كانوا بوضوء أو بغيره لأنه أثنى عليهم بمجرد السجود عقب التلاوة ولم يشترط وضوءا
وكذلك قوله تعالى
﴿إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا﴾
@ قالوا وكذلك سجود الشكر مستحب عند تجدد النعم المنتظرة
Página 68
وقد تظاهرت السنة عن النبي بفعله في مواضع متعددة وكذلك أصحابه مع ورود الخبر السار عليهم بغتة وكانوا يسجدون عقبه ولم يؤمروا بوضوء ولم يخبروا أنه لا يفعل إلا بوضوء
ومعلوم أن هذه الأمور تدهم العبد وهو على غير طهارة فلو تركها لفاتت مصلحتها
قالوا ومن الممتنع أن يكون الله تعالى قد أذن في هذا السجود وأثنى على فاعله وأطلق ذلك وتكون الطهارة شرطا فيه ولا يسنها ولا يأمر بها رسول الله أصحابه ولا روي عنه في ذلك حرف واحد
وقياسه على الصلاة ممتنع لوجهين أحدهما أن الفارق بينه وبين الصلاة أظهر وأكثر من الجامع إذ لا قراءة فيه ولا ركوع لا فرضا ولا سنة ثابتة بالتسليم
ويجوز أن يكون القارىء خلف الإمام فيه ولا مصافة فيه
وليس إلحاق محل النزاع بصور الاتفاق أولى من إلحاقه بصور الافتراق
الثاني أن هذا القياس إنما يمتنع لو كان صحيحا إذا لم يكن الشيء المقيس قد فعل على عهد النبي ثم تقع الحادثة فيحتاج المجتهد أن يلحقها بما وقع على عهده من الحوادث أو شملها نصه وأما مع سجوده وسجود أصحابه وإطلاق الإذن في ذلك من غير تقييد بوضوء فيمتنع التقييد به
فإن قيل فقد روى البيهقي من حديث الليث عن نافع عن بن عمر أنه قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر وهذا يخالف ما رويتموه عن بن عمر مع أن في بعض الروايات وكان بن عمر يسجد على وضوء وهذا هو اللائق به لأجل رواية الليث
قيل أما أثر الليث فضعيف
وأما رواية من روى كان يسجد على وضوء فغلط لأن تبويب البخاري واستدلاله وقوله والمشرك ليس له وضوء يدل على أن الرواية بلفظ غير وعليها أكثر الرواة
ولعل الناسخ استشكل ذلك فظن أن لفظه غير غلط فأسقطها ولاسيما إن كان قد اغتر بالأثر الضعيف المروي عن الليث وهذا هو الظاهر فإن إسقاط الكلمة للاستشكال كثير جدا وأما زيادة غير في مثل هذا الموضع فلا يظن زيادتها غلطا ثم تتفق عليها النسخ المختلفة أو أكثرها @
Página 69
قال الشيخ شمس الدين بن القيم في باب ما ينجس الماء ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم وصححه الطحاوي
رواه الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه
هكذا رواه إسحاق بن راهويه وجماعة عن أبي أسامة عن الوليد ورواه الحميدي عن أبي أسامة حدثنا الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله عن أبيه
فهذان وجهان
قال الدارقطني في هاتين الروايتين فلما اختلف على أبي أسامة اخترنا أن نعلم من أتى بالصواب فنظرنا في ذلك فإذا شعيب بن أيوب قد روى عن أبي أسامة وصح أن الوليد بن كثير رواه عنهما جميعا وكان أبو أسامة مرة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير ومرة يحدث به عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر
ورواه محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه رواه جماعة عن بن إسحاق وكذلك رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه
وفيه تقوية لحديث بن إسحاق
Página 73