ضَمِيرِ تَرَكَ أَيْ وَهُوَ مُبْطِلٌ عَبَّرَ بِالْكَذِبِ لِلتَّنْبِيهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى الْبُطْلَانِ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَجُمْلَةُ وَهُوَ بَاطِلٌ حَالٌ مِنَ الْكَذِبِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْكِتَابِ قَالَ: هِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ بَاطِلًا فَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا» وَرَخَّصَ فِي الْكَذِبِ فِي ثَلَاثٍ فِي الْحَرْبِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَكَذِبِ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ اهـ
قُلْتُ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِبَاطِلٍ مَازِحٌ بِتَقْدِيرِ ذُو بَاطِلٍ وَتُجْعَلُ الْجُمْلَةُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ تَرَكَ لَا مِنْ مَفْعُولِهِ وَجَعْلُهُ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَرِينَةِ أَعْنِي وَهُوَ مُحِقٌّ بَقِيَ أَنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ تَغْيِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَوْلُهُ: (فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ حَوَالَيِ الْجَنَّةِ وَأَطْرَافِهَا لَا فِي وَسَطِهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ خَارِجًا عَنِ الْجَنَّةِ كَمَا قِيلَ قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْمَدِّ أَيِ الْجِدَالِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقَعَ صَاحِبُهُ فِي اللِّجَاجِ الْمُوقِعِ فِي الْبَاطِلِ قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَسُنَ) مِنَ التَّحْسِينِ وَالْحَدِيثُ هَذَا قَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَنَسٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَاب اجْتِنَابِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ] ٥٢ - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَعَبْدَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ح وَحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ــ قَوْلُهُ: (انْتِزَاعًا) أَيْ مَحْوًا مِنَ الصُّدُورِ وَهُوَ مَصْدَرٌ لَقَبَضَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ لِبَيَانِ النَّوْعِ نَحْوَ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَقَوْلُهُ: يَنْتَزِعُهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْقَبْضِ انْتِزَاعًا أَيْ يَرْفَعُهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَقِيلَ: صِفَةٌ لَـ انْتِزَاعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَهُ لِلْعِلْمِ لَا لِلِانْتِزَاعِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلِانْتِزَاعِ لِعَدَمِ الْعَائِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْتِزَاعًا مَصْدَرَ لِيَنْتَزِعَ قُدِّمَ عَلَى فِعْلِهِ وَجُمْلَةُ
[بَاب اجْتِنَابِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ] ٥٢ - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَعَبْدَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ح وَحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ــ قَوْلُهُ: (انْتِزَاعًا) أَيْ مَحْوًا مِنَ الصُّدُورِ وَهُوَ مَصْدَرٌ لَقَبَضَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ لِبَيَانِ النَّوْعِ نَحْوَ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَقَوْلُهُ: يَنْتَزِعُهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْقَبْضِ انْتِزَاعًا أَيْ يَرْفَعُهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَقِيلَ: صِفَةٌ لَـ انْتِزَاعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَهُ لِلْعِلْمِ لَا لِلِانْتِزَاعِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلِانْتِزَاعِ لِعَدَمِ الْعَائِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْتِزَاعًا مَصْدَرَ لِيَنْتَزِعَ قُدِّمَ عَلَى فِعْلِهِ وَجُمْلَةُ
1 / 26