(قوله لم قدرت المحذوف متأخرا) هذا السؤال لا يختص بتسمية القارئ بل يتناول تسمية القارئ والمسافر والذابح، وكل فاعل جعلت التسمية مبدأ لفعله فإنه قد صرح بتأخير المقدر في كلام المسافر، وأشار إلى ذلك في كلام لغيره (قوله لأن الأهم من الفعل والمتعلق به) من هذه تبعيضية والمعطوف في حكم الانسحاب: أي الذي هو أهم من صاحبه من هذين، فاللام في الأهم قائمة مقام من التفضيلية (قوله لأنهم كانوا يبدؤون) بيان لوجه الاهتمام إذ لا يكفي أن يقال قدم للاهتمام، بل لابد أن يبين ما يقتضى الاهتمام بذكره والاعتناء بشأنه كما نص عليه الشيخ عبد القاهر رحمه الله تعالى: أي كان الشمركون يبدؤون في أفعالهم بأسماء آلهتهم، فيقولون عند الشروع باسم اللات وباسم العزى، وكان التقديم منهم لمجرد الاهتمام الناشئ من قصد التبرك والتعظيم لا للاختصاص، إذ لم يكونوا ينفون التبرك به تعالى، بل كانوا يتبركون به أيضا، فوجب على الموحد أن يقصد بعبارته قطع شركة الأصنام كي لا يتوهم منه تجويز الابتداء باسمها فيكون قصر إفراد (قوله معنى اختصاص اسم الله تعالى) أقحم لفظ معنى واضافه إلى الاختصاص مبالغة في بيان المقصود: أي أن يقصد الموحد معنى هو اختصاص اسم الله تعالى، وأيضا كأنه تنصيص على أن المقصود الدلالة على الاختصاص لا على فعل الاختصاص بأن يبتدأ به لا بغيره. فإن قلت: قوله اختصاص اسم الله بالابتداء يدل على أن المقدر أبتدئ، وأن يكون معنى قوله وذلك بتقديمه وتأخيره الفعل أن اختصاص اسم الله يحصل بتقديمه وتأخير الفعل الذي هو أبتدئ، لأن اختصاص اسمه بالابتداء إنما يحصل بذلك لا بتقديم اسم الله تعالى وتأخير الفعل الذي هو أقرأ، إذ به يحصل اختصاص اسمه بالقراءة لا بالابتداء، فحينئذ لا يكون جوابه مطابقا لسؤاله لأنه سأل عن سبب تقير أقرأ متأخرا. وأجاب بما لا يقتضى إلا تقدير أبتدئ متأخرا.
قلت: أراد بالابتداء الفعل الذي يبتدأ به ويشرع فيه كالقراءة ونحوها لا مفهومه الحقيقي، ولذلك قال وتأخير الفعل، ولم يقل تأخير الابتداء وبهذا القدر يتسق نظم الكلام. فإن المشرك لما كان يبتدئ في أفعاله المخصوصة باسم آلهته وجب على الموحد أن يبتدئ في أفعاله المخصوصة باسم الله تعالى، ويدل أيضا على اختصاص اسم الله بتلك الأفعال ردا على المشرك وإظهار للتوحيد، فيتطابق الجواب والسؤال. والباء في قوله بالابتداء داخلة على المقصور لا على المقصور عليه، وتوضيحه أن الاختصاص وكذا التخصيص والخصوص يقتضى بحسب مفهومه الأصلي أن تدخل الباء على المقصور عليه فيه فيقال: اختص الجود بزيد: أي صار مقصورا على زيد لا يتجاوزه إلى غيره.
ومنه قوله وأما الله بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره. وقوله بعد الدلالة على اختصاص الحمدية:
أي بالله، وهذا عربي إلا أن الأكثر في الاستعمال إدخال الباء على المقصور، وذلك لأن تخصيص شئ بآخر في قوة تمييز الآخر به، واستعمل فيه مجازا مشهورا، فمعنى اختصاص اسم بفعل يميزه من الأسماء وإفراده عنها بذلك، وهو حاصل معنى قصر ذلك الفعل عليه، وقس عليه قوله واختص بواو: أي ميز المندوب عن المنادى
Página 29