Cosecha filosófica del siglo XX y otros estudios filosóficos
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Géneros
وترتب على هذا الدور الذي نسبه كانط للفلسفة ثلاثة مفاهيم رئيسية، وهي: مفهوم العقل العام، والذات المستقلة، ومفهوم المعرفة التصورية (أو المعرفة من خلال تصورات ومفاهيم عقلية) مما دفع الفلاسفة بعد كانط - وبخاصة هيجل وأصحاب النزعة البراجماتية وفلسفة التأويل - إلى انتقاد فكرته عن العقل بتقويض زعمه باكتشاف بناءات عقلية عامة وضرورية للشروط التي تجعل التجربة ممكنة. أضف إلى هذا «أن تطور العلوم الاجتماعية والتاريخية جعل هذه المزاعم نسبية وليست مطلقة، وأظهر الروابط التجريبية المعقدة التي تربط العقل باللغة والفعل كما تربطه بنسيج الاتصالات اليومية داخل أشكال الحياة المتنوعة ثقافيا وتاريخيا.»
6
ارتبط هذا النقد للعقل بنقد الذات العاقلة من حيث سيادتها على نفسها وعلى العالم، وهو ما افترضه التراث الديكارتي والكانطي. «فالذات هنا هي التي تشكل الطبيعة الخارجية وهي المهيمنة على الطبيعة الداخلية - على الأقل بالنسبة لكانط - وهذه السيادة المنسوبة للذات قد انتقدها كل من فرويد وماركس ودارون، الذين بينوا بطرق مختلفة دور الرغبات والانفعالات والمصالح في تكوين وتوجيه العقل نفسه»،
7
وأوضحوا أن الذات لا تشكل العالم، وإنما هي عنصر واحد من عناصر العالم المكتشف لغويا وتاريخيا واجتماعيا.
امتدت هذه الخلفية الثقافية والفكرية التي افترضت أن العقل طبيعة ثابتة في الإنسان - وذلك باستثناء الآراء الجديدة التي أتى بها فيكو كما أسلفنا القول - عبر قرون طويلة من تاريخ الفكر الفلسفي، إلى أن جاء هيجل (1770-1831م) ليعبر عن تصور عصر جديد انطلق مع بدايات القرن التاسع عشر، عصر يحمل ثقافة وفكرا جديدين، ويستعيد صيرورة هيراقليطس لتصبح هي طبيعة الأشياء، ويحل «التطور» و«التغير» محل «الثبات» و«التحدد». وأصبحت طبيعة العقل عند هيجل مختلفة عنها عند كل من ديكارت وكانط، فإذا كان ديكارت قد أقام مذهبه العقلي على أساس الكوجيتو أو اليقين الذاتي كمعيار للوضوح والتميز، وكان كانط قد أقام فلسفته النقدية لتمييز المعرفة العلمية الصحيحة عن المعرفة الميتافيزيقية التي تؤدي إلى وقوع العقل في التناقض، فإن هيجل قد جعل من هذا التناقض جوهرا لفلسفته ومنهجه الجدلي. ها هو ذا يقول في مقدمة «ظاهريات الروح» مشيرا إلى المذاهب العقلية السابقة عليه: «إن العقل قد جاوز الحياة الجوهرية التي كان يحياها في عنصر الفكر: جاوز إيمانه الأول المباشر، جاوز الرضا والأمن اللذين كان يكفلهما للوعي الوفاق بين العقل والماهية ... وما جاوز العقل تلك الحالة وحدها إلى الطرف النقيض، إلا للرجوع بنفسه على نفسه دونما جوهر. فلم يقف الأمر عند فقدان حياته الجوهرية، وإنما أصبح أيضا وعيا بهذا الفقدان.»
8
كما يقول في موضع آخر من مقدمة الظاهريات: «إن العقل إنما يغدو موضوعا؛ لأنه تلك الحركة القائمة في مغايرته نفسه، أي في صيرورته موضوعا لذاته.»
9
وبفضل منطق هيجل الجدلي دخل العقل في الوعي وفي الطبيعة نفسها، ثم تجلى في التاريخ، وأصبح هو جوهر التاريخ ومحركه، بل أصبحت العملية المعرفية نفسها تنمو في مراحل متعددة، والوصول للمطلق لا يكون إلا في ختام هذه المراحل: «الكل ليس إلا الماهية في تحقيقها واكتمالها عن طريق نموها. فالمطلق يجب القول عنه: إنه في جوهره نتيجة، أي هو لا يصير ما هو إياه حقيقة إلا في الختام. في هذه الصيرورة تقوم طبيعته من حيث هو دخول فعلي في الواقع.»
Página desconocida