Cosecha filosófica del siglo XX y otros estudios filosóficos
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Géneros
لذلك جاءت جينالوجيا الأخلاق لنيتشه ولم تنظر لمشكلة التاريخ على أنه بحث عن الأصول فحسب، ولم تكن هجوما على قيم العصر الحديث فقط، بل كانت أيضا ضد طريقة معينة لتفسير أصول ومعنى وأنساب تلك القيم. ولم تهدف الجينالوجيا إلى اكتشاف جذور الهوية الإنسانية، ولكنها سعت لإقامة نماذج مختلفة لما أبدعه الكائن البشري كفرد؛ ولذلك تؤكد الجينالوجيا على خصوصية وتفرد الأحداث التاريخية. وقام نقد نيتشه الجينالوجي على أساس منهجه في التاريخ، وهو أنه ليس هناك حقائق تاريخية، بل هناك تفسيرات أخلاقية لما نسميه حقائق. لذلك فهو يحاول كشف معنى التاريخ من بحثه الجينالوجي في أصول وتطور الأخلاق.
كان العدل هو الفرضية الأساسية التي ميزت بدايات الجنس البشري عند روسو، بينما كان الظلم هو البديهية الأساسية لتلك البدايات عند نيتشه. فقد مجد الأول الحالة البدائية الأولى للإنسان التي تمثل بالنسبة له مرحلة ما قبل الاضطراب العصبي الذي أصاب الإنسان في العصر الحديث. وتطلع روسو إلى العصور الأولى عندما كان البشر - على الرغم من أن طبيعتهم الإنسانية لم تكن أفضل مما هي عليه في العصر الحديث - يتمتعون بوجود آمن، وبوضوح كل منهم للآخر، وكانت هذه الشفافية في العلاقات الإنسانية تمنع تطور الرذائل كالغرور والتكبر التي أفسدت الإنسان الحديث. وبالغ روسو في هذه الصورة ليسلط الضوء على شرور ومساوئ العصر الحاضر، ويرثي حالة الخداع والعبودية التي سادت العادات الحديثة. أعلن روسو في خطابه عام 1750م بمناسبة حصوله على جائزة بحثه عن تقدم العلوم والفنون «أن أناس العصر الحديث هم «قطيع من البشر» أطلق عليهم اسم «العبيد السعداء» الذين يتجاهلون فقرهم وبؤسهم، بحيث أصبحوا كتلة من البشر ليس لها ملامح وصورهم بشكل منفر وكريه.»
47
نظر نيتشه إلى روسو على أنه فيلسوف سياسي للمرارة والحقد والنقمة في العصر الحديث، وعلى أنه أول رجل حداثي صور الحضارة بشكل يوحي بالشفقة على الإنسان مما يؤدي إلى الشعور بالاحتقار والاشمئزاز منه، خاصة عندما أعلن للناس في تصدير خطابه الثاني عن أصول التفاوت الاجتماعي بأنه «ساخط على وضعكم الحاضر، بسب ما يهدد سلالتكم التعيسة، ربما تتمنون لو كانت لديكم القوة للعودة إلى الوراء، وسيكون هذا الشعور إطراء لأسلافكم، ونقدا لمعاصريكم، ورعبا لسيئي الحظ الذين سوف يأتون بعدكم.»
48
ويرى نيتشه أن المرارة والاستياء الواضح في فكر روسو هما نتيجة النزعة الأخلاقية التي وجهت كل تفكيره.
وأخيرا فقد قدم كل من نيتشه وروسو صورة متعارضة عن أصول المجتمع البشري وأزمة الإنسان الحديث التي ردها روسو إلى المنافسة والاغتراب الذاتي، وافتقاد حالة المساواة الطبيعية الأولى؛ ولذلك لم توجد عنده سلالة أنساب للسيد والعبد (التي نجدها عند نيتشه)؛ لأنها لم تكن من السمات الطبيعية الأولى للجنس البشري، وإنما ظهر هذا التقسيم التراتبي للمجتمع مع تطور التنظيمات الاجتماعية التي سببت اغتراب الإنسان عن نفسه، فتدهورت أحواله بدلا من أن يرتقي بطبيعته، وظهرت المنافسة التي أثمرها التطور التاريخي، وانتهت إلى تحقيق سعادة الفرد على حساب الآخرين. بينما نجد عند نيتشه أن أزمة الإنسان الحديث أعمق بكثير من تلك المنافسة والاغتراب- الذاتي اللذين يتحدث عنهما روسو، بل ذهب نيتشه إلى العكس من هذا عندما رأى ضرورة الحفاظ عليهما، وأيضا على النظام التراتبي للمجتمع؛ ولذلك نجد عنده جينالوجيا السيد والعبد، حيث إن السيادة هي السمة الطبيعية، والسيد هو الشكل الطبيعي للإنسان، وكما أن هناك سادة، فهناك أيضا عبيد. وكانت مهمة نيتشه في الجينالوجيا أن يقدم هؤلاء السادة باعتبارهم تمثلات عليا للوجود. وإذا كان روسو يؤكد أن التراتبية والتنافس ما هما إلا متغيرات تاريخية، فإن نيتشه يؤكد من جانب آخر أن المجتمع التراتبي هو المجتمع الطبيعي. وإذا كان روسو ينشد العودة إلى الخيرية الطبيعية التي افترض أنها كانت الفطرة الطبيعية للبشر، فإن نيتشه ينشد العودة إلى العدوانية أو السلوك الشرس الذي يحقق السيادة. وبينما يتمنى روسو أن تحقق البشرية «خيريتها الطبيعية» يدعو نيتشه البشرية أن تتعلم كيف تصبح «أكثر شرا». (2-3) مأساوية (تراجيدية) الوجود التاريخي
كان نيتشه على وعي تام بالغموض الذي يميز علاقة روسو بالتاريخ. كما كان على اقتناع بأن الوجود التاريخي مأساة، ولكنه رأى أنه مأساة ضرورية، وأن على الكائنات البشرية أن تكون قوية وشجاعة بقدر كاف لتؤكد السمة المأساوية لوجودها، وإلا فلن يبقى أمامها سوى الهروب من هذا الوجود للبحث عما وراء هذا العالم، فيصبحون ناقمين على الحياة، منكرين واقعها القاسي والمتغير والفاني، لا هروب من الزمن إذن، فهو قانون الحياة حيث كل شيء يفنى ويموت، ولكن كيف يتغلب الإنسان على المأساوية التي وجد نيتشه أنها طابع الوجود الإنساني ؟ هل بروح الاستياء أو الانتقام أو الضغينة التي زعم - أي نيتشه - أنها هي الحل الذي هرب إليه روسو في مواجهة هذه المأساة؟
تؤدي فكرة الضغينة
resentment
Página desconocida