مات سنة 193ه بعد أن قضى في الولاية 23 سنة وشهرين و18 يوما.
شجرة هارون الرشيد من جده عبد الله بن عباس بن عبد المطلب جد النبي محمد
صلى الله عليه وسلم .
ميلاد دولة
للدول عمر كالذي للأفراد ... طفولة، ومراهقة، وشباب، وكهولة، وشيخوخة، وهي كالأفراد أيضا ... بعضها يولد هزيلا مريضا يموت في مهده، أو بعد مهده بقليل، وبعضها يولد صحيحا معافى تمتد حياته، ويطول عمره، وهي كذلك كالأفراد ... يعتريها أحيانا موت الفجاءة، وأحيانا يدب الفناء فيها، وتموت عضوا فعضوا حتى ينتهي أجلها، وهي أيضا قد يطول عمرها وقد يقصر، والملاحظ أن الدول في أول نشأتها كانت قصيرة العمر، ثم تعلم الخلف من السلف، واتقوا أخطاءهم ... فطال عمرها؛ فنجد مثلا أن عمر دولة الخلفاء الراشدين كان نحو ثلاثين عاما.
فجاءت الدولة الأموية فعاشت نحو مائة عام، ثم جاءت الدولة العباسية فعاشت أكثر من خمسمائة سنة.
والدول الغربية الحديثة تعلمت من أسباب سقوط الدولة اليونانية والرومانية، واحترست من أن تقع في مثل أمراضها ... فطال عمرها كثيرا، ولا يعلم إلا الله منتهاها، ولكنها على كل حال إلى النهاية المحتومة للأفراد والأمم، وهي الفناء، والدولة الأموية التي سبقت الدولة العباسية أخذت في الفناء من بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، واستمرت في طلوع الروح نحو ثلاثين سنة. (1) أسباب سقوط الدولة الأموية
ولسقوط الدولة الأموية أسباب، منها: أن الأمويين شددوا النكير على العلويين، وساموهم الخسف، وكان أولاد الحسين بعد مقتل أبيهم صغارا، فلما مضى الزمن شبوا، وحاولوا أن يأخذوا بثأر أبيهم، وكان أول حجر في سقوط بني أمية قتل سليمان بن عبد الملك لأبي هاشم، وقد عهد أبو هاشم عند قتله إلى محمد بن علي رأس العباسيين، وكان الأمويون يحذرون العلويين أكثر مما يحذرون العباسيين، وذلك أمكن العباسيين أن يبثوا دعوتهم ضد الأمويين في اطمئنان.
والثاني: أن الدولة الأموية كافأت رجالها العظام أسوأ مكافأة - والرجال العظام في الدول قليل - فلما فقدت الدولة الأموية رجالها فقدت جانبا عظيما من قوتها، فكان من رجال الدولة الأموية المخلصين: موسى بن نصير فاتح الأندلس، وخالد بن عبد الله القسري، ويزيد بن المهلب، وقتيبة بن مسلم، ومن خطأ الخلفاء الأمويين ظلمهم لأمثال هؤلاء الرجال، فقتلوا بعضهم؛ كخالد بن عبد الله، وقتيبة بن مسلم، ويزيد بن المهلب، وزج بموسى بن نصير في السجن.
وسبب ثالث؛ وهو: تباعد أطراف المملكة بسبب الاتساع في الفتوح، فبلغت دائرة ملكهم ما لم تبلغه قبلهم غير دولة الرومان؛ فما بين النهرين المعروف بالجزيرة، وإيران، وقسم من الأفغان، والتركستان، والقوقاز، وأرمينيا، وشبه جزيرة العرب، وسوريا، ومصر، والمغرب، والأندلس كلها دخلت في حوزة سلطانهم، وضبط هذه الأقطار المختلفة المترامية الأطراف صعب جدا، وخصوصا إذا كان الخلفاء ليسوا بالأقوياء الحازمين، بل من الضعفاء الذين يجرون وراء شهواتهم، ولذلك كان من حزم الدولة العباسية ، ومن قواعدها الأساسية عدم التوسع في الفتوح.
Página desconocida