الإيمان بالتنجيم
وأما التنجيم فكان الخلفاء يعتقدون أن للنجوم أثرا في أحداث الكون من موت وحياة وسعادة وشقاء وصحة ومرض وسعة وتقتير في الرزق، وغير ذلك، ونشأ في الناس الاعتقاد بهذا.
وكان من أكبر من أشاعه الشيعة، فنسب إليهم كثير من التنبؤ بالحوادث، وربما كان من أكبر الأسباب في ذلك دعايتهم لأنفسهم عن طريق التنبؤات، ونسب لعلي بن أبي طالب كثير من أخبار بني أمية وسقوطهم، وظهور بني العباس، وغير ذلك من الأحداث استنادا إلى قوله: «سلوني قبل أن تفقدوني.»
وقد نسبوا إليه تنبؤات بأحداث في الدولة الأموية والدولة العباسية، ومقتل الحسين، وخروج عائشة يوم الجمل، وخروج الأمر من العلويين إلى العباسيين، وأحداث السفاح، وبعض أحداث بني بويه، ونحو ذلك، ولكن يظهر أن أكثرها وضع بعد ظهور الحوادث، ثم أسندت إليه على أنها من التنبؤات.
وشاع بين الشيعة لأجل ذلك علم الجفر، وهو الذي حرف فيما بعد إلى «الشيفرة»، وسواء صحت هذه الأخبار أو لم تصح فإن الناس والخلفاء والأمراء كانوا يعتقدون فيها، ويبنون أعمالهم عليها، وكتاب الجفر هذا كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي - وهو رأس الفرقة المعروفة بالزيدية - كان له كتاب صغير يعرف بالجفر، يرويه عن جعفر الصادق، وفيه أخبار عما سيقع لأهل البيت على العموم، ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص، وكان مكتوبا عند جعفر على جلد ثور صغير، فرواه عنه هارون العجلي، وسماه الجفر، والجفر في اللغة هو الصغير، فصار هذا الاسم علما على هذا الكتاب عندهم، وشاع في الناس وتناقلوه، وزادوا عليه، وأنشأوا في ذلك ما يسمى بالملاحم، وهي أشعار تروى في أخبار دولة على الخصوص، أو دول على العموم، وأكثرها موضوع ... تروى فيه الحوادث الماضية صحيحة، ويرجع تاريخها إلى ما قبلها للدلالة على التنبؤ، أما ما يدل على المستقبل فغير صحيح غالبا. •••
ويروون أنه عثر في عهد المهدي على كتاب في الجفر يروي أن مدة حكم المهدي عشر سنوات، وشاع ذلك في الناس، فلما علم الربيع - وزير المهدي - قال: إن الخليفة المهدي لو علم ذلك لقتلنا، فاستدعى الوراقين، وأمرهم أن يكتبوا الكتاب، ويجعلوا بدل العشر أربعين، حتى يطمئن المهدي إلى مدة حكمه، وهكذا من باب طرق الوضع، وسبب ذلك على ما يظهر لي أن لبعض الناس قدرة على معرفة الغيب، ويسمون بالملهمين، إما عن طريق ما يسميه الإفرنج بالتليباثي، أو بالتنويم المغناطيسي، أو نحو ذلك مما لم يكتشفه العلم إلى اليوم ... وهذا لمعرفة الماضي والحاضر أو قراءة أفكار الإنسان. •••
أما معرفة المستقبل فلا أظن أن أحدا يعرفه؛ إذ قد استأثر الله بعلمه، والقرآن الكريم يقول على لسان النبي
صلى الله عليه وسلم : «ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء» فكيف بغيره، ولكن الناس تزيدوا، وابتدعوا طرقا كثيرة من قراءة الكف والودع، ونحو ذلك، واعتقدوا بتأثير النجوم، وكان بعض العلماء معتدلين في ذلك، فقد كان بعض الفلاسفة يعتدل في الاعتقاد بالتنجيم، ويعلل بعضه تعليلا معقولا، وذلك أن للشمس والقمر والنجوم أحداثا في الدنيا لا شك فيها كأثر الشمس في الفصول الأربعة، وأثر القمر في المد والجزر، وأثرهما معا في الرياح والسحاب والرعد والبرق، ثم لا ينكر أيضا أثر هذه البيئة الطبيعية في أبدان الناس، وأثر الأبدان في النفس ... •••
غاية الأمر أن بعض هذه الأحداث ناشئ عن حسابات بسيطة لحركات هذه الكواكب كخسوف القمر، وكسوف الشمس، وحساب المد والجزر، ونحو ذلك، وبعضها صعب الاستنتاج لصعوبة المشاهدات التي نبني عليها احتمالنا.
فإن بعض الأوضاع للنجوم لا يتكرر مرة ثانية في عمر الإنسان الواحد، ومرة واحدة لا تكفي لحكم صحيح، وحساب الحادثة الواحدة تسبقها إلى البروج كلها، وتأثير كل منها حساب عسير، فقد يحدث خطأ بسيط في حساب برج من البروج فيخطئ التنبؤ. •••
Página desconocida