ونحو ذلك ... ومن كانوا يسمعون مثل هذا القول كانوا طائفتين: طائفة متزمتة تسخط على قائل مثل هذا القول، وترميه بالإلحاد وبالزندقة، وطائفة متسامحة ترى أن هذه الأقوال قيلت على سبيل الفكاهة والتملح. (4)
وكانوا يستعملون كلمة زنديق أحيانا للدلالة على الظرف والتملح كالذي يقول:
تزندق معلنا ليقول قوم
إذا ذكروه زنديق ظريف
فقد بقي التزندق فيه وسما
وما قيل الظريف ولا اللطيف (5)
وأحيانا يطلقونها بحق على طائفة من الفرس كانوا يظهرون الإسلام، ويبطنون أديانهم الأولى من مانية وغيرها، وكان هذا الصنف كثيرا في هذا العصر، يرمون إلى إعادة الدولة الفارسية، كما كانت في العصور الأولى قبل الفتح الإسلامي.
وأيا كانت فقد طبقت الكلمة ظلما على قوم عرفوا بأصالة الفكر وحرية القول، ولكن خشي بأسهم فاتهموا بالزندقة، وقتلوا كالذي حدث مع عبد الله بن المقفع.
عناصر متعددة
وكان السكان في ذلك العهد يتكونون من عناصر مختلفة تختلف في دمها وفي عقليتها وعاداتها وتقاليدها ومنهج تفكيرها ... وامتزجت كلها في أتون واحد؛ ذلك لأنها كانت تتكون من أمم مختلفة على أثر الفتوح الأموية، فكان منها العنصر البربري الوارد من بلاد المغرب، والعنصر الفارسي الوارد من بلاد فارس، والعنصر العربي الوافد من جزيرة العرب، واليمنيون الآتون من اليمن، والنبطيون، والروم الذين كانت تسوقهم الحرب بين المسلمين والبيزنطيين، وغيرهم من العناصر والأجناس الأخرى.
Página desconocida