صاحت: بيت في حارة خالية؟!
فصاح بغضب: لن تبقى خالية إلى الأبد!
46
لا حزن يدوم ولا فرح.
عاد عاشور إلى ممارسة عمله كسواق كارو، وكان يأخذ معه فلة وشمس الدين النهار كله وشطرا من الليل، ثم يأوون إلى البدروم في كنف الرجل العملاق.
أدرك عاشور أن الحارة أصبحت منسية في غمار المسئوليات التي واجهت الحكومة بسبب انتشار الشوطة في جميع الأحياء. لا أحد يدري به في هذا الركن الفاني ولكنهم سيأتون، يوما ما سيأتون. سيجيء أناس من هنا وهناك، وستردد الأنفاس من جديد وترسل دفأها في البقاع.
وكلما خرج مبكرا ليعد العربة جذبت عينيه دار البنان. تعجبه هامتها الأرجوانية وضخامتها المهيبة وأسرارها المنطوية. ماذا بقي في الداخل؟ ألا يوجد من آل البنان من يهمه استردادها؟
ويرسخ الإغراء في أعماقه وينفث أحلاما سحرية. كما اشتاق يوما إلى الاطلاع على أسرار التكية. غير أن دار البنان قريبة ولا حي سواه في الحارة. ليس بينه وبين تحقيق الحلم إلا حركة، حركة مغلفة بالأمان!
47
هز منكبيه العريضين استهانة ودفع الباب فانفتح . التراب يغطي الفسيفساء، كما يغطي أرض السلاملك الرخامية. التراب هو ما يسود في كل مكان. وقف عند البهو مرتاعا. إنه ميدان يا عاشور. سقفه عال جدا لا تبلغه رءوس الجان، في وسطه نجفة مثل قبة الغوري، ومن أركانه تتدلى القناديل. على جوانبه أرائك مغطاة بالسجاجيد المزركشة، كما تغطى جدرانه بالحصر الفاخرة وأطر الآيات المذهبة.
Página desconocida