51
وتم له أعظم نصر، وهو نصره على نفسه. وتزوج من بهية بنت عدلات الماشطة بعد مشاهدة واستقراء من جانبه. وعندما اقتلعت مئذنة جلال من جذورها أحيت الحارة ليلة رقص وطرب. وعقب منتصف الليل ذهب إلى ساحة التكية لينفرد بنفسه في ضوء النجوم ورحاب الأناشيد. تربع فوق الأرض مستنيما إلى الرضا ولطافة الجو. لحظة من لحظات الحياة النادرة التي تسفر فيها عن نور صاف، لا شكوى من عضو أو خاطرة أو زمان أو مكان، كأن الأناشيد الغامضة تفصح عن أسرارها بألف لسان، وكأنما أدرك لم ترنموا طويلا بالأعجمية وأغلقوا الأبواب. •••
وسبح في الظلام صرير فرنا إلى الباب الضخم بذهول. رأى هيكله وهو ينفتح بنعومة وثبات، ومنه قدم شبح درويش كقطعة متجسدة من أنفاس الليل. مال نحوه وهمس: استعدوا بالمزامير والطبول، غدا سيخرج الشيخ من خلوته، ويشق الحارة بنوره، وسيهب كل فتى نبوتا من الخيزران وثمرة من التوت، استعدوا بالمزامير والطبول. •••
عاد إلى دنيا النجوم والأناشيد والليل والسور العتيق. قبض على أهداب الرؤية فغاصت قبضته في أمواج الظلام الجليل. وانتفض ناهضا ثملا بالإلهام والقدرة، فقال له قلبه لا تجزع فقد ينفتح الباب ذات يوم تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة.
وهتفت الحناجر شادية :
دوش وقت سحر أز غصه نجاتم دارند
وأندر آن ظلمت شب آب حياتم دارند
Página desconocida