تضايق ضياء من تجاهلهما رأيه، فراح يؤكده قائلا: سأذهب ولو اضطررت إلى الانفصال عنكما.
فسألته أمه: أين؟ وماذا تفعل؟
فقال مواصلا انفعاله: لا أدري، سأتحدى الحظ والقدر.
فتسألت بحزن: كما فعل الآخر؟
فصاح بإصرار: كلا! توجد سبل أخرى. - أعطني مثلا؟ - لست نبيا.
وقال له عاشور برقة: ابق معنا فما أحوج بعضنا إلى بعض .
فقال بإصرار نهائي: كلا، لقد قضي الأمر.
36
ودع ضياء أمه وأخاه وذهب. دمعت عينا حليمة وهي تودعه، ولكن لم يكن ثمة متسع للحزن. واستقبلت وعاشور حياة معاناة شاقة. سرحت بالمفتقة والمخلل كالمتسولات، وسرح عاشور بالفاكهة، عملاقا يحمل مقطفا. كأنما قد تعاهدا على الصبر وتجنب الشكوى وعدم نبش ذكرى ما مضى، ولكن الماضي لم يقتلع من أعماقهما. ذكرى الدار ذات الأجنحة، والعيش الرغيد، وأبهة الدوكار وحجرة الإدارة، ذكرى العباءة الفضفاضة والمسبحة القهرمانية وروائح المسك والعنبر والكلمات الطيبة، وعزيزة العطار باليشمك والابتسامة الهائمة، وإقبال يونس السايس مداهنا وقوله المأثور في الصباح: «صبحك الله بالسعادة يا من يشرق النور من جبهته.» آه يا فائز ماذا فعلت بنفسك وبنا؟!
حتى جلال المجنون لم يقتل ويدفن الجثث. ما هذه اللعنة التي تطارد ذرية صاحب الولاية والمعجزة؟
Página desconocida