فقال عتريس بارتياح: أنتم أصل الخير والبركة.
بذلك خمدت تساؤلات مريبة في مهدها.
43
حتام ينتظر؟ إنه يمارس عمله في محل الغلال، ويعاني شتى الانفعالات المتضاربة، وها هي الخماسين تسفع الجدران، تثير الغبار، ترفع الحرارة، تلون الجو بالكدر، وعما قليل يتهادى الصيف بجلاله الشعبي وصراحته الحامية وأنفاسه اللزجة. حتام ينتظر؟ لقد أرسلت رضوانة إليه من يشكره، فرد الرد الجميل، وعن لسانه قالت فتحية لرضوانة إنه يتذكر دائما أنه تبودلت الرسل بينهم كالأغراب، حتى أرسل إليها ست فتحية طالبا مقابلتها. وذهب إليها ليلا متجنبا الأنظار حتى لا تصبح ذكريات الماضي حكاية مرة أخرى على الألسنة. ذهب يحمل بين جنبيه دوامة، ويضمر أيضا تصميما.
استقبلته رضوانة في بهو الاستقبال. طالعته محتشمة الملابس، مطوقة الرأس بخمار أسود كأنها في حداد. وتصافحا، وتلاقت عيناهما مقدار ثانية، ولكنها مشتعلة مثل شرارة متطايرة عن احتكاك حجرين، ثم جلسا صامتين متحرجين يودان الخلاص.
قالت رضوانة: إنها لفرصة كي أشكرك بنفسي.
فقال متحررا من حرجه بعض الشيء: وفرصة لي لأضع نفسي في خدمتك. - ماذا عن بكر؟ - لم أهمل واجبي في ذلك الشأن ولكن لم يعثر له على أثر. - متى يرجع في تصورك؟ - إنه ذو كبرياء فيما أعلم وأخشى أن تطول غيبته. كيف حال الأولاد؟ - على خير ما تحب.
فتردد خضر قليلا، ثم قال: أود أن أشتري دار الشوبكشي إذا أذنت.
فقطبت قليلا وهي تقول: تريد أن تقدم مالا لامرأة مفلسة!
فقال متلعثما: إني بحاجة إلى دار بصفة عاجلة!
Página desconocida