في هذه اللحظة يلتقي بكر برضوانة. في هذه اللحظة أيضا يدرك خضر مدى خطئه ببقائه في الحارة. كيف تلقاه الجميلة الجريئة؟ هل تستطيع تمثيل دور الزوجة المشتاقة المنتظرة؟ هل تقبل عليه كما أقبلت نحوه بنظرتها المشتعلة وأشواقها المحمومة؟ هل يسدل الستار على نزوة الماضي ويمضي تيار الحياة في مجراه المألوف، أو يغلبها الفتور والعواطف الدفينة فتتعلل بالمرض؟ هل يدب الفساد في الحياة الزوجية الجديدة فتتعقد الأمور ويتجهم وجه الحياة؟
وارتعدت مفاصله وغمغم: بوسعها أيضا أن تنتقم!
ها هو بكر يسألها عما بها فتقول باكية: أخوك غدر!
أي أكذوبة؟ أي شر يبتدر!
ولكن مهلا. لم لم تخبر حماها أو في الأقل حماتها؟ على أي حال ستجد من يصدقها ولن يجد هو من يصدقه.
كلا. إنها ماكرة وجريئة. ستتظاهر بالحزن، وتقول في غموض: أود أن نعيش بعيدا عن هذه الدار.
سيسألها بكر عما يضايقها فتقطب ولا تجيب. تشاجرت مع أمي؟، مع أبي؟ كلا، كلا. لا يبقى إلا خضر. ألم يحسن خضر خدمتك؟ إنها لا تطيق سماع اسم خضر. أي خطأ ارتكب؟ ثم تتضح الحقيقة مثل سواد الليل تحت سماء ملبدة بالغيوم. في هذه الحال تلوذ الجميلة الماكرة بانطباع شخصي قد يصدق وقد لا يصدق، ولكنه يترك أثره المحتوم. لن تصرح بأكثر من أن نظراته لم تعجبها، لم ترتح لها؛ وأنها لذلك تفضل العيش بعيدا عن دار السمري!
كيف يدافع عن نفسه؟ هل يهدم سعادة أخيه وسمعة أسرته؟ هل يهرب حاملا الإثم وحده؟
ولكن أليس من الجائز أن أوهامه محض هواجس لا أساس لها، وأنهما الآن ينعمان بالحب بعد الغياب؟!
عند ذاك سمع وقع أقدام متوترة، ثم رأى بكر يسد الباب مرتجفا من شدة الغضب.
Página desconocida