La verdad: un mensaje que incluye respuestas para probar la doctrina de Darwin sobre el origen y la evolución
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Géneros
ولعل الآفة في ذلك وما يجري مجراه سبق الاقتناع، ولو صح ما تقولون لاكتفى الإنسان عن السعي في سبيل العلم بالقول: إن كان ما يأتينا به العلم مأذونا به في الدين فهو منصوص عنه، وما كان غير منصوص عنه فلا حاجة لنا به، ومثلكم لا يسامح على مثل ذلك، وأنتم بجانب كعبة العلم، وكيف كان الأمر فلا بد في كل شيء من قصد، وفي كل قصد من إفادة أو استفادة.
الحس وأنواعه المختلفة1
منذ إهلال الطفل إلى آخر نسمة من حياته يتنازعه عاملان متناقضان يولدهما جهازه العصبي؛ وهما: اللذة والألم، والفرح والغم؛ فإن الإنسان لبلوغ حسه الغاية في النمو يشعر شعورا لا يفوقه شعور بفعل كل العوامل المحيطة به طبيعيا ومعنويا، بل هو الوحيد في جنسه الذي يقابل القنوط بالرجاء، واليأس بالأمل، ويتردد دائما في جميع أعماله بين الإحجام والإقدام؛ لشدة مرهوبة أو لذة مرغوبة، وهو عالم بموته ينظر في مستقبله، بخلاف الحيوان الذي لا يدخل في حسبانه أمر موته ولا شيء من مستقبله.
على أن الحيوانات العليا كالكلب والثور مثلا لها حس، ولها إدراك أيضا تميز به هذا الحس، وأما إذا تقهقرنا في سلم الحيوان، فنرى صفة الحس تتناقص كلما صار التركيب أبسط؛ حتى لا يعود الحيوان يحس بألم ولو قطعت أعضاؤه تقطيعا، بل يصير تقطيعه واسطة لنموه؛ إذ يصير كل جزء مقطوع منه حيوانا شبيها به، وتحت الحيوان عالم النبات الذي أنكر عليه «لينيوس» الشهير الحس بقوله: النباتات تنمو وتعيش، والحيوانات تنمو وتعيش وتحس، وذلك أشبه بما كان يذهب إليه أرسطو من أن جميع الكائنات الآلية «الحيوان والنبات» ذات نفس تختلف قواها باختلاف الكائنات، فكان يعتقد أن لنفس النبات قوتين؛ وهما: النمو والتوليد، ولنفس الحيوان أربعا؛ وهي: النمو والتوليد والحس والحركة، ولنفس الإنسان خمسا؛ وهي الأربع المتقدم ذكرها مع النفس أو العقل.
ومهما يكن من قول لينيوس وأرسطو، فإنكارنا الحس على أدنى النباتات يحسب خطأ كإنكارنا إياه على الحيوانات العليا؛ لأنه موجود في أصغر النباتات، كما أنه موجود في أكمل الحيوانات، ولكن وجوده فيها على أنواع مختلفة، وكلها لا تخرج عن الحد الذي حدد «كلود برنار» الحس به حيث قال: «الحس هو جملة التغيرات الحاصلة في الجسم الحي بواسطة المهيجات، أو تكيف في التأثير لكيفية في المؤثر.» وقد قسم «بيشات» الحس إلى ثلاثة أنواع: الحس المعلوم، وهو المستولي على الحركات الظاهرة، والحس غير المعلوم، وهو المستولي على الحركات الباطنة، والحس غير المحسوس به؛ أي الذي لا تدركه العين، وهو القائم بغير الحركات. وفي كلامنا نلحق النوع الأخير بالثاني، ونقتصر على نوعين فقط؛ وهما: الحس المعلوم، والحس غير المعلوم، مبينين إمكان استحالة الواحد إلى الآخر؛ الأمر الدال على كونهما نوعين لصفة واحدة، فنقول: إننا لا نتعلم القراءة إلا بجهد جهيد، وقل من يقول: إنه تعلم القراءة من دون إعمال النظر، ولكنا بعد ذلك نقرأ صفحة بجملتها من دون أن نفتكر فيها، فلا شك - والحالة هذه - أنه حصل استحالة في نوعي الحس، كذلك في المشي، وفي كثير من الأعمال الاعتيادية، فإنه كثيرا ما يكون الدماغ الذي هو عضو الإدراك لاهيا عنها بغيرها وهي جارية من دون علمه، وهكذا - أيضا إذا وخزنا رجل ضفدع بإبرة - مثلا - فإنها ترفع رجلها لشعورها بالألم، وتحاول التخلص من يد عدوها، فالحس هنا من النوع المعلوم.
ولكن إذا قطعنا رأسها؛ أي مركز الإدراك، فجسمها المقطوع الرأس لا يزال يرفع رجله الموخوزة، ولكنه لا يحاول الهرب، فالحس هنا من قبيل الفعل المنعكس فقط من دون علم، فبقطع الرأس في هذا الامتحان قد تحول الحس من نوع إلى آخر، وأكثر أعضائنا الباطنة تشتغل عادة على غير علم منا، فقلبنا يضرب سبعين ضربة في الدقيقة من دون أن نشعر به ومن دون إرادتنا، بل غصبا عنا أيضا، ولكن إذا فاجأنا انفعال ما؛ ففي الحال نشعر بشدة إحساسه، ونتنفس أيضا من دون علمنا، ومن دون إرادتنا، ولكن إذا انتبهنا قليلا نعلم أنا نتنفس ونتنفس كما نريد.
ومتى أكلنا فبعد ازدراد الأطعمة لا نعود نعلم بشيء مما يحدث فينا، ومع ذلك فإن حسنا لا ينقطع عن الانفعال بهذه المواد التي تتغير كيماويا وطبيعيا، ثم تدخل في الدم وتصل إلى أدق الدقائق التشريحية وتؤثر في حسها. ففي هذه الدقائق الأولية الآلية العديدة جدا، التي تتألف من مجاميعها الكائنات الحية، توجد كل الصفات الحية الجوهرية، ومن ثم الحس؛ فإن فيها مادة جوهرية تعرف بالبروتوبلاسم، وهي مادة لا شكل لها بنفسها، ذات صفات غريبة، قد يتكون منها جسم حي متحرك دنيء يحيط بالدقائق الصغيرة التي يجدها في الماء فيهضمها ويمثلها له.
والأيثير الذي هو الكاشف العظيم للحس يفقد هذه المادة شفافيتها وحركاتها، وإذا تطاير عنها رجعت لها سيولتها وصفاتها الحيوية، فهي إذن ذات حس، ولكنه من النوع الذي يعرف بالحس غير المعلوم، وكلما صعدنا في سلم الكائنات الآلية رأينا فيها نوعا من الكريات التي تزداد وضوحا شيئا فشيئا، ويختص بها الحس، ويزيد بها قوة ونموا. وتعرف هذه الكريات بالكريات العصبية، وهي منتشرة في الجسم الحي، وتؤلف في الحيوانات العليا مجاميع مركزية تعرف بالمراكز العصبية تنحصر فيها التأثيرات، ثم تنضم أيضا إلى كريات أخرى تعرف بالكريات العقلية، فهذه تعرف بها طبيعة الحس، فيصير الحس من النوع المعلوم، فأنواع الحس المختلفة جميعها من طبيعة واحدة، ويؤيد ذلك فعل المخدرات فيها، والحس هو أعم صفات الحياة، فكل ما يعيش يحس، ويمكن تخديره حيوانا كان أم نباتا، كما يتضح مما يأتي: كل يعلم أن بعض النباتات إذا لمست تنفعل، وأن السنط الحساس تنقبض أوراقه، وأن كثيرا من النباتات آكلة اللحم تنطبق على الذباب وغيره من أنواع الحيوان الذي يستقر عليها فتصطاده وتغتذي به، وليس من يجهل - أيضا - تأثير النور في بعض الأزهار التي تفتح في النهار وتذبل في الليل، ومع ذلك فلم يكن أحد يسلم بوجود الحس في النبات، حتى بين ذلك «كلود برنار»، أشهر فسيولوجي هذا العصر وفلاسفته، ببراهين لا تدع معها سبيلا للشك، فإنه بين أن المخدرات كالأيثير والكلورفورم تخدر بالسواء أرفع أشكال الحس المعلوم وأدنى أشكال الحس غير المعلوم.
فإذا خدرنا حيوانا بهذين المخدرين يفقد منه أولا الحس المعلوم، فيقع في نوم عميق، ثم إذا طال الأمر يفقد منه الحس غير المعلوم؛ إذ يمتد تأثير المخدر إلى جميع الدقائق العصبية المنتشرة في جسمه فيبطل عملها ويموت، ويحدث هذا الأمر عينه في النبات إذا خدر بالأيثير والكلوروفورم، فإننا إذا وضعنا إحدى أوراق السنط الحساس تحت فعل أحد هذين المخدرين لم تعد تتأثر باللمس، وذلك - لا شك - ناتج عن فقدها قوة الحس، لا قوة الحركة، بناء على ما نعلمه من تأثير الأيثير والكلوروفورم بالحس فقط دون الحركة.
وهكذا إذا أخذنا إحدى الحبوب السريعة التفريخ كحبة الجرجير ووضعناها على إسفنجة مشربة ماء، فلا يمر عليها أكثر من 24 ساعة حتى تنبت وينمو لها ساق وجذير، ولكن إذا راجعنا الامتحان - مع مراعاة جميع الشروط اللازمة من الأكسجين والماء والنور والحرارة ووضعنا الإسفنجة تحت قابلة فيها أيثير؛ فالحبة لا تنمو، ولكنها لا تموت، بل تنام نوما؛ بدليل أنها تعود فتفرخ متى رفعت عنها القابلة وتطاير الأيثير، فهذه الحياة الخفية الساكنة التي تتضمنها الحبة لا تستطيع أن تظهر للوجود إلا بشروط، منها خارجية، ومنها داخلية، فالشروط الخارجية هي الماء والأكسجين والحرارة، وكلها شروط طبيعية وكيماوية.
Página desconocida