La verdad: una introducción muy corta
الحقيقة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
قد نفكر قائلين: «لكن هذا لا يمكن أن يكون صحيحا، فنحن نعلم أن الشخصيات في لعبة الكمبيوتر، مثلا، ليست واعية، أما نحن فواعون؛ ولهذا السبب، لا يمكن أن نكون شخصيات في لعبة كمبيوتر، أو بالأحرى في هذه الحالة، شخصيات في عملية محاكاة تاريخية، لا تتعدى كونها لعبة كمبيوتر معقدة على نحو خاص. فما من سبيل يمكن أن تدرك به شخصية لارا كروفت العالم الذي توجد فيه، وعلى النقيض نحن ندرك العالم الذي نوجد فيه؛ ومن ثم لا يمكن أن نكون شخصيات مثلها.» عند هذه النقطة، يجدر بنا أن نسأل أنفسنا عن السبب الذي يجعلنا نظن أن لارا كروفت ليست واعية. والإجابة هي أنه ليس هناك برنامج كمبيوتر متاح حاليا يستطيع حتى أن يحاكي لاعب «جو» هاويا ماهرا، فما بالنا بعقل واع كامل في بيئة افتراضية. ومع ذلك، إذا كانت القضية هي مجرد نقص التعقيد، فهذه مشكلة يمكن حلها بسهولة؛ فالافتراض الأساسي لدينا هو أن أحفادنا سيتمكنون من الوصول إلى موارد حسابية أكثر تقدما مما نمتلكه حاليا، وسيتمكنون من محاكاة دماغ كامل، بكل ما يحوي من جزيئات. فإذا كنا نعتقد أن العقل البشري هو ما يفعله الدماغ البشري، إذن فالمحاكاة بهذا المستوى من التفاصيل سوف تحاكي أيضا العقل البشري. وجزء مما يعنيه ذلك هو أن هذا العقل سيتمتع برؤية الشخص الأول؛ أي يرى العالم من منظوره الخاص.
بعبارة أخرى، قد تصنع المحاكاة طرقا مختصرة. ليس هناك حاجة إلى محاكاة الأشياء الشديدة الصغر أو الشديدة البعد، مثل الكائنات الدقيقة الموجودة في قطرة ماء أو الصخور الموجودة على عمق متر من سطح القمر، بل يكفي أن نحاكي هذه الأشياء في حينها، إذا صادف أن وضعنا قطرة الماء تحت الميكروسكوب، أو حفرنا ثقوبا في سطح القمر . بالمثل، يمكن توفير الموارد الحسابية بعدم محاكاة أدمغة بعض الشخصيات الموجودة في العالم المحاكى. قد يبدو لنا أن لها الهيكل الداخلي نفسه الذي يتمتع به باقي الأشخاص الذين نقابلهم، ولكنها ليست أعقد بكثير من الشخصيات الموجودة في ألعاب الكمبيوتر المتوفرة حاليا، والروبوتات الافتراضية التي لا تتعدى كونها وهما، التي تبدو واعية، ولكنها في الحقيقة تفتقر إلى العقل. ويثير مثل هذا الترشيد في الموارد الحسابية السيناريو المروع الذي نكون فيه نحن أنفسنا غير حقيقيين (لأننا مجرد محاكاة) وكل من نقابلهم من الزومبي (لأن مظهرهم الخارجي فقط هو ما تمت محاكاته).
إذا سلمنا بعدم الاضطرار إلى محاكاة كل جزيء في العالم، وإنما فقط أسطح معظم الأشياء، بالإضافة إلى عدد معين مطلوب من الأدمغة، فإن إدارة عملية محاكاة تاريخية بالشكل الموصوف أعلاه من المرجح أن تكون ممكنة بالموارد الحسابية المتاحة في المستقبل غير البعيد. بالطبع، من الممكن أن تدمر الحضارة الإنسانية (يرتطم بها كويكب أو يدمرها فيروس قاتل محور وراثيا أو تغرق من جراء ارتفاع مستوى سطح البحر) قبل أن تستطيع بناء أجهزة كمبيوتر قوية بما يكفي لإدارة عمليات المحاكاة التاريخية. وفي هذه الحالة، من الواضح أننا لا يمكن أن نكون جزءا من عملية محاكاة يديرها أحفادنا. وبالمثل، حتى إذا كانوا قادرين على إدارة مثل عمليات المحاكاة هذه، فإنهم قد لا يرغبون في ذلك فحسب؛ حيث إن الأفكار المتبصرة التي قد يحصلون عليها من هذه العمليات قد تكون تافهة بالنسبة لهم، ولعل لديهم مساعي أخرى - غير معلومة لنا - أكثر جاذبية من الناحية الثقافية بالنسبة لهم، ولكن لو كان حقيقيا أن الموارد الحسابية المطلوبة لإدارة عمليات محاكاة تاريخية لن تكون متاحة بسهولة في المستقبل البعيد فلكيا، ولكنها في متناول أيدينا تكنولوجيا، إذن فيجدر بنا ألا نفترض افتراضات مبالغا فيها فيما يتعلق بالوقت المتبقي لنا على هذا الكوكب، أو الأنماط المتغيرة للاهتمامات الثقافية للبشر؛ من ثم فإن فرصة وجود عملية محاكاة تاريخية في مرحلة ما من المستقبل تبدو معقولة.
بمجرد بدء أسلافنا في إدارة عمليات المحاكاة التاريخية ، فإن عدد الأشخاص الموجودين في هذه العمليات قد يتجاوز سريعا المائة مليار شخص الذين عاشوا على كوكب الأرض منذ تكونه. وفي هذه الحالة، سيكون من المنطقي بالنسبة لنا أن نعتقد أنه من المرجح أننا نعيش نحن أنفسنا في عملية محاكاة تاريخية. فلنفترض أن صديقك يعرض عليك لوحة جديدة اشتراها من لوحات سلفادور دالي. فإذا وضعنا في اعتبارنا أن 90 في المائة، وفقا لآراء الخبراء، من اللوحات المعروضة للبيع حاليا في السوق مزيفة، وإذا افترضنا أنك وصديقك تفتقران إلى التدريب الكافي لتمييز لوحات دالي الأصلية من المزيفة، فإنه من المنطقي بالنسبة لك أن تفترض أن احتمال كون هذه اللوحة مزيفة يبلغ 0,9. بالمثل، إذا تمت محاكاة عدد ن٪ من كل الكائنات الواعية، ومع افتراض أنك تعجز عن التمييز بين المحاكاة والواقع، فإن احتمال أن تكون أنت مجرد محاكاة هو ن٪. (قدر الفيلسوف الأسترالي ديفيد تشالمرز هذا الاحتمال ذات مرة ب 20٪، في ضوء الاعتبارات السابقة الذكر، يبدو هذا الرقم منخفضا إلى حد ما.)
بالطبع، يمكن استخدام الحجة نفسها لكن في هذه الحالة يقوم أحفادنا بمحاكاتنا، وهم أنفسهم قد يكونون مجرد عمليات محاكاة خاصة بأحفادهم. وفي الواقع، إذا كنا نحن نحاكي أشخاصا آخرين، فعلينا أن نؤمن بيقين أكبر أننا نحن أنفسنا تتم محاكاتنا، بما أننا أصبحنا نعرف أن مثل هذه المهام يمكن القيام بها بنجاح؛ من ثم فإن أحفادنا القائمين بالمحاكاة ينبغي أن يتبينوا أكثر منا أنه من المرجح أنه يتم محاكاتهم. ويمكننا أن نتخيل هيكلا هرميا كاملا نكون فيه مجرد شخصيات في محاكاة تاريخية يديرها أحفادنا، الذين تتم محاكاتهم هم أنفسهم بواسطة آخرين، يعيشون في عالم محاكى يديره غيرهم، وهكذا، إلى ما لا نهاية. في مثل هذا السيناريو، تصبح عمليات المحاكاة أعقد فأعقد كلما نزلنا من مستوى إلى مستوى أدنى؛ فالأشخاص الذين يديرون عملية المحاكاة في المستوى الثاني من أعلى الهيكل الهرمي ليسوا فقط مضطرين إلى محاكاة عالم بأسره بكل من فيه من بشر (تحديدا أحفادنا)، وإنما أيضا كل عمليات المحاكاة التاريخية التي يقومون بها (ونحن فيها). وعلى المحاكي أن يكون شديد الحرص ويراقب خلقه عن كثب: فإذا قامت الكائنات التي تم عمل محاكاة لها بمحاكاة غيرها من الكائنات، وقامت تلك بإنشاء كائنات أخرى، فسوف تنفد جميع مواردنا الحسابية في المحاكاة دون أن ندري. وفي هذه الحالة سيكون الخيار الوحيد المتاح أمامنا هو إلغاء عملية المحاكاة التي نديرها، بالإضافة إلى الهيكل الهرمي المستند إليها بالكامل. ولكن هذا قد يمنحنا فسحة من الوقت للتفكير. فإذا بدأنا ندير عمليات محاكاة أسلافنا، فسوف نزيد احتمال أن يلغي من يقومون بمحاكاتنا عملية المحاكاة الخاصة بنا (هذا إذا كنا حقا نخضع للمحاكاة)؛ نظرا لأن الموارد الإضافية التي نستهلكها بهذه الطريقة قد تكون كثيرة جدا. وإذا كنا في أعلى الهيكل الهرمي للمحاكاة، فإن محاكاتنا قد تكون القشة التي تقصم ظهر البعير؛ ومن ثم يجب أن نعيد النظر في مسألة إدارة عملية محاكاة أسلافنا.
يشترك سيناريو المحاكاة في بعض عواقب الاحتمالات الأخرى المذكورة أعلاه، والتي يتم فيها خداعنا على نحو منظم: أن نكون في حلم، أو أن نكون عبارة عن أدمغة يتم تنشيطها اصطناعيا وتغذيتها بمعلومات مصطنعة. قد نكون مخطئين في أغلبية معتقداتنا، وقد يتبدى لنا أن دوافعنا نحو السلوك الفاضل ليس لها أساس (إذا كنا جزءا من عملية محاكاة منخفضة التكاليف تقوم بمحاكاة الآخرين كواجهات خالية فحسب). ولكن في حين أنه في الحالتين الأوليين، لا تزال أنفسنا لها وجود - الأنا الحقيقية التي تعتبر النقطة الثابتة في دوامة الوهم - ففي سيناريو المحاكاة نحن غير واقعيين بالمرة، كما أن العالم المحاكى الذي نتعامل معه غير واقعي. جزء من عدم الراحة الذي نشعر به فيما يتعلق بسيناريو الدماغ المنشط هو أن المحاكاة قد تتوقف فجأة، وعندئذ سندرك ماهية العالم الواقعي؛ إننا ما زلنا موجودين، ولكن في بيئة مختلفة اختلافا جذريا، وفي زمن بعيد في المستقبل، دون جسم، في برطمان، وهكذا. أما في حالة المحاكاة، فليس هناك «استيقاظ» في العالم الواقعي؛ نظرا لأن العالم الواقعي - عالم أحفادنا - لا يشملنا. وإذا توقفت عملية المحاكاة، فإننا لن نجد أنفسنا فجأة في مواجهة واقع أن كل الأشياء المحيطة بنا مزيفة؛ لأننا ببساطة لن نكون موجودين أساسا. من ناحية، قد يريحنا هذا السيناريو؛ فنحن لن نجد أنفسنا مجرد أدمغة وحيدة في مختبر عالم شرير. ولكن من ناحية أخرى، يخلف هذا لدينا شعورا غريبا بأننا مجرد وهم. ولن يعود من المنطقي أن نظن أن العالم الواقعي يدور في فلكنا، لأننا لسنا حتى جزءا من العالم الواقعي؛ فاليقين الذي يبدو أنه الأكثر جوهرية - أن لنا وجودا وسط عالم من الأوهام المعقدة - سيذهب في طي النسيان؛ فليس من الممكن أن يختفي الوهم دون أن نختفي نحن معه؛ لأننا نحن أنفسنا جزء من هذا الوهم.
شكل 1-5: تصوير صيني تقليدي لحلم الفراشة.
في حين أن افتراض أننا غير موجودين في المستوى الأساسي للواقع افتراض مربك للعقل، فإنه من الممكن أن نمنحه فرصة أخرى. من المعروف أن الفكرة الأساسية تم شرحها في القرن الرابع قبل الميلاد في حجة ساقها الفيلسوف الصيني جوانج زي. وهو يروي التجربة التالية:
في الليلة الماضية، راودني أنا، جوانج زي، حلم بأنني فراشة ... فراشة تطير في الهواء وتستمتع بوقتها. لم أكن أدري أنها جوانج زي، وفجأة استيقظت، ورجعت إلى نفسي ثانية، إلى جوانج زي الواقعي. لم أكن أعرف إذا ما كان جوانج زي يحلم بأنه فراشة، أم أن الفراشة الآن تحلم بأنها جوانج زي. ولكن لا بد من وجود فرق بين جوانج زي والفراشة.
في هذا السيناريو، ليس لدينا شخص واحد يخلق آخر في الحلم، ولكن شخصيتان، جوانج زي والفراشة، يخلق أحدهما الآخر في الحلم. هذه الحالة من الأحلام المتناسقة لا تدل فقط على أننا، بوصفنا شخصيات في حلم، غير واقعيين، في حين أن شخصا آخر، الذي يحلم بنا، واقعي، وإنما تقوض أيضا احتمال القدرة على التمييز بين ما هو واقعي وما هو غير واقعي في الأساس. جوانج زي يحلم بالفراشة، إذن فالحالم جوانج زي واقعي، والفراشة التي يحلم بها ليست واقعية. ولكن الفراشة أيضا تحلم بجوانج زي ، الذي لا ينبغي أن يكون واقعا، بوصفه شخصية في حلم أحدهم. ولكن لا شيء يمكن أن يكون واقعيا وغير واقعي في الوقت نفسه.
Página desconocida