La verdad: una introducción muy corta
الحقيقة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
شكل 2-1: تظهر في الصورة لافتة على مكتب هاري ترومان ومكتوب عليها:
THE BUCK STOPS HERE
بمعنى «هنا نهاية المطاف.»
من بين تعريفات الواقع الخمسة التي ذكرت حتى الآن، يبدو التعريفان الأخيران للواقع (أنه ما هو موجود بغض النظر عن أي شيء، أو هو المستوى الأساسي لكل ما عداه من أشياء) هما التعريفين الأكثر تماسكا وموضوعية؛ لذلك عندما نبحث فيما إذا كان شيء ما واقعيا أم لا، يجب أن نضع في ذهننا هاتين الفكرتين. سوف نبدأ بالنظر إلى حقيقة ما يبدو أنه أحد الأشياء الشديدة الجوهرية: المادة. والسؤال الحاسم الذي يجب أن نطرحه هو إذا ما كان أدنى مستوى للمادة يشبه برطمانا من الجيلي أو علبة مليئة بقطع الحلوى. بعبارة أخرى، إذا أخذنا جسما ماديا وقسمناه إلى نصفين، ثم قطعنا النصف إلى نصفين، وتابعنا بهذه الطريقة، فهل سينتهي بنا الأمر بأجسام بسيطة ممتدة مستمرة مثل الجيلي يمكن تقسيمها ولكن ليس لها أجزاء واقعية؟ أم إن كل شيء يتكون من ذرات دقيقة غير ممتدة، مثل قطع الحلوى الشديدة الصغر غير القابلة للتقسيم؟
يبدو أن تشبيه الجيلي يواجه صعوبات إذا ما فكرنا في جسمين، فلنقل، برتقالتين بحجمين مختلفين. من البديهي أننا سنرغب في قول إن إحداهما أكبر من الأخرى لأنها تحتوي على أجزاء أكثر. ولكن إذا كانت المادة مثل الجيلي، فلدينا فقط جزيئات محتملة؛ إذ يمكننا تقسيم ما لدينا إلى جزأين مرة أخرى، ولكن العالم لا يأتي في أجزاء ذرية منفصلة متمايزة معبأة سابقا. في هذه الحالة، كل برتقالة تحتوي على عدد لا نهائي من الأجزاء المحتملة. وإذا افترضنا أيضا أن الترتيب الداخلي لثمرتي الفاكهة متشابه إلى حد ما، فمن الصعب إذن أن نفهم السبب وراء كون برتقالة أكبر من الأخرى.
إذا كان العالم لا يشبه برطمان الجيلي، فهل هناك قطع صغيرة لا نهائية من المادة؟ ظاهريا، تعد هذه النظرية أكثر معقولية. عندما نستمر في تقسيم الأشياء، سنصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها الاستمرار في التقسيم. والأشياء غير القابلة للتقسيم التي نصل إليها في النهاية هي المكونات الذرية الأساسية من المادة، والتي يتكون منها كل شيء. ولكن كيفية تكون كل شيء من ذرات غير قابلة للتقسيم أمر أكثر تعقيدا مما يبدو، ولنضرب مثلا بشيء معقد يتكون من ثلاث ذرات، إحداها في المنتصف وواحدة على اليمين وأخرى على اليسار.
شكل 2-2: الفيلسوف الهندي فاسوباندو (القرن الرابع الميلادي).
ولنطلق على الجزء الذي تلمس فيه الذرة اليسرى الذرة الوسطى (أ)، والجزء الذي تلمس فيه الوسطى اليمنى (ب). لا يمكن أن يكون (أ) و(ب) هما الجزء عينه، وإلا فإن الذرة اليسرى والذرة اليمنى ستتلامسان بشكل مباشر، وسيكون هناك ذرتان فقط، وليس ثلاث ذرات. لكن إذا لم يكونا الجزء عينه، فإن الذرة الوسطى تتكون على الأقل من جزأين، (أ) و(ب). ولكن كيف يمكن هذا، إذا لم تكن مجزأة أساسا؟ يبدو أنه إما أن الذرات (على عكس افتراضاتنا) يجب أن تحتوي على أجزاء؛ ومن ثم فهي ليست ذرات حقيقية؛ أو أن عدة ذرات لا يمكن أن تملأ حيزا أكبر من الذرة الواحدة، وفي هذه الحالة فإن الأجسام الممتدة لا يمكن أن تتكون من ذرات.
تسببت صعوبات شرح ماهية المادة بالضبط في أن يستنتج الفيلسوف الهندي فاسوباندو، الذي عاش في القرن الرابع، أن المادة غير موجودة على الإطلاق؛ فبالنسبة لفاسوباندو، كل ما هو موجود عقلي بطبيعته، وما ننظر إليه باعتباره مادة هو في الحقيقة مجرد أجسام عقلية مدركة على نحو خاطئ؛ فالمادة واقع فقط في تعريفي الواقع الضعيفين «فيلم ماتريكس» و«رواية «1984»»، ولكن ليس في أي من التعريفات الأكثر موضوعية.
لكن ما مدى شدة هذه الصعوبات؟ تبنى العلم الغربي الحديث نظرية «قطع الحلوى» للمادة؛ إذن كيف نستطيع أن نفهم الذرات التي يفترضها؟ قد نرغب في الرد على نقد فاسوباندو بقول إنه على الرغم من وجود ذرات ممتدة تملأ مساحة من الفراغ، فإن هذه الذرات لا تتجزأ. يمكننا تخيل كل ذرة من هذه الذرات باعتبارها محاطة بمجال من القوة الطاردة يمنع أي شيء من الدخول إليها؛ لذا فإن تجمع هذه المجالات من القوى، التي يرتكز كل منها حول ذرة غير ممتدة، قد يؤدي إلى ملء حيز من الفراغ، مانعا أي أجسام أخرى من شغل الحيز في الوقت نفسه. بعبارة أخرى (وبغض النظر عن التصور الكلاسيكي)، يمكننا أن نقول إن الجسيم النقطي يمكن أن يملأ حيزا نظرا لوجود احتمال غير صفري لملء كل نقطة داخل هذا الحيز.
Página desconocida