Hechos del Islam y falsedades de sus oponentes
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Géneros
وبادر لوثر على إثر ذلك إلى دفع الاعتراض الذي قد يعترض به من يحتج بتصرف يوسف - عليه السلام - قبل أعوام المجاعة، فقال: «إنه إذا شاء أحد أن يحتج بسلوك يوسف كما ورد في سفر التكوين حين جمع كل الحبوب التي كانت في البلاد، ثم اشترى بها في وقت المجاعة لملك مصر كل ما فيها من أموال وماشية وأرض مما يبدو حقا كأنه احتكار؛ فالجواب على ذلك أن صفقة يوسف هذه لم تكن احتكارا، بل مبايعة شريفة كما جرت عادة البلاد، فإنه لم يمنع أحدا أن يشتري خلال سنوات الرخاء، وإنما كان عمله من وحي الحكمة التي يسرت له أن يجمع حبوب الملك في سنوات الرخاء، بينما كان الآخرون يخزنون منها القليل أو الكثير.»
قال لوثر: إنه من التصرفات التي تدخل في باب المراباة ولا تدخل في باب التجارة أن يعمد أحدهم إلى الاحتكار من طريق المغالاة، فيبيع ما عنده بالسعر الرخيص ليكره غيره على البيع بهذا السعر، فيحل بهم الخراب.
وقال: إنه من قبيل الغش والاحتيال أن يبيع أحد ما ليس في يده؛ لأنه يعلم موضع شرائه فيستطيع أن يعرض على مالكه ثمنا دون الثمن الذي يفرضه على طالب الشراء.
وعد «لوثر» من الربح المحرم أن يتآمر التجار الكبار في أوقات الحروب على إشاعة الأكاذيب لدفع الناس إلى بيع ما عندهم واحتكاره بين أيديهم، ثم تقدير أثمانه على هواهم، وقال: إن بعض الممالك الأوروبية - كالمملكة الإنجليزية - تعقد في عاصمتها مجلسا يراقب الأسواق ويدبر الوسائل لاحتجاز السلع المرغوب فيها لاحتكارها ومقاسمة الدولة في أرباحها.
وقال: إنه من الحيل المعهودة لترويج الربا باسم التجارة أن تباع السلعة إلى أجل ، ويعلم البائع أن شاريها لا بد أن يبيعها في هذا الأجل بأقل من ثمنها ليسدد ما عليه من الدين، ويشتريها بالثمن الذي يضطره إليه.
قال: وهناك تصرف آخر مألوف بين الشركات، وهو أن يودع أحد مبلغا عند تاجر: ألف قطعة من الذهب أو ألفين، على أن يؤدي له التاجر مائة أو مائتين كل سنة سواء ربح أو خسر ... ويسوغ هذه الصفقة بأنها تصرف ينفع التاجر لأنه بغير هذا القرض يظل معطلا بغير عمل، وينفع صاحب المال لأنه بغير هذا القرض يبقى ماله معطلا بغير فائدة.
ومما أخرجه «لوثر» من أبواب التجارة المشروعة وألحقه بالربا المحرم أن يخزن البائع غلاله في الأماكن الرطبة ليزيد في وزنها، وأن يزوق السلعة ليغري الشاري ببذل الثمن الذي يربي على ثمنها، وأن يتخذ من وسائل الاحتكار أو الإغراء ما يمكنه من جمع الثروة الضخمة؛ لأنه - أي لوثر - يقرر في رسالته أن التجارة المحللة لم تكن قط وسيلة لجمع الثروات الضخام، وأنه إذا وجدت ثروة ضخمة فلا بد هنالك من وسيلة غير مشروعة.
ولعل «لوثر» قد بلغ في تحريم البيوع المربية وإلحاقها بالربا الممنوع أو الملعون ما لم يبلغه أحد قبله ولا بعده من رؤساء الدين المسيحي في العصور المتأخرة، ومما لا ريب فيه أن الحالة النفسية التي تساور المصلح الاجتماعي أو الواعظ الديني باعث قوي على التشدد في حظر المحرمات وذرائعها، واتقاء الشبه التي توقع الأبرياء في حبائلها، وهذه الحالة النفسية قد كانت على أشدها في القارة الأوروبية بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر في إبان الدعوة إلى حركة الإصلاح، فقد كان «لوثر» يرجو أن يعمل الملوك والأمراء ورؤساء الدين على كف أذى المرابين والمغالين بالبيع والشراء، فخاب أمله فيهم أجمعين، وثبت له من معرفته بهم ومن إشاعات الناس عنهم أنهم يشجعون الربا والمغالاة بالأرباح لمقاسمة أربابها وابتزاز القروض والإتاوات منهم، وتسخيرهم في محاربة بعضهم بحبس البضائع واحتكار الأسواق. وقد دفعته هذه الحالة النفسية إلى ضروب من التحريم لو أخذت بها أوروبا الاستعمارية بعده لما قامت لها قائمة، ولا جمعت ثرواتها الضخام التي قال بحق: إنها لا تجمع من تجارة بريئة ولا من ربح حلال.
ونحن إنما نشير إلى الحالة النفسية التي دفعت لوثر إلى التشدد في حظر المحرمات وذرائعها لكي نلم بالحالة النفسية التي تلقى بها المسلمون زحف المصارف والشركات الأوروبية على بلادهم وسيطرتها على حكوماتهم وشعوبهم، فما بلغ من ضرر المرابين بالشعوب الأوروبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أن يفقدهم كرامة أوطانهم، وأن يذل رءوسهم ونفوسهم كما فعلت المصارف والشركات الأجنبية بالشعوب الإسلامية منذ أغارت عليها مؤيدة بجيوش الدول من ورائها. فهذه المصارف والشركات هي التي مهدت للامتيازات الأجنبية سبلها، وهي التي نصبت شباك الديون لتسويغ الغزو والاحتلال باسم المحافظة على الحقوق وضمان سدادها، وهي التي تذرع بها الساسة لخنق النهضات الوطنية في إبانها وإثقالها بالقيود والأعباء التي تعجزها عن مجاراة الغرب في صناعته وتجارته، وتكفل للاستعمار أن ينشب أظفاره أبدا في أبدانها.
فإذا حق للمصلح الكبير «لوثر» أن يتشاءم من المصارف والشركات وأن يحتسب ثرواتها الضخام في عداد السرقات الملعونة، وهي لا تجني على استقلال الأمم ولا تذلها للواغلين عليها، فخليق بالمسلمين - ولا ريب - أن يتشاءموا من تلك المصارف والشركات مرات، وأن يستريبوا بها ولا يروا فيها لأول وهلة ما يغريهم بالتشبه بها والتسابق بينهم على منهاجها؛ فهي بلاء تعوذوا منه وأجفلوا من قدوته، ولهم العذر كل العذر إذا أغرقوا في الخوف منها حتى أوجسوا خيفة من خيرها الذي لم يعرفوه؛ لأنهم عرفوا شرها ولم يسلموا من بلائه أعواما طوالا قد طالت بحساب المصائب بأضعاف ما طالت بحساب الأيام. •••
Página desconocida