Hechos del Islam y falsedades de sus oponentes
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Géneros
وكل أولئك لا يبلغ بالتنزيه الإلهي مبلغه الذي جاءت به الديانة الإسلامية صالحا للإيمان به في العقيدة الدينية، وصالحا للأخذ به في مذاهب التفكير.
والديانة الإسلامية - كما هو معلوم - ثالثة الديانات المشهورة باسم الديانات الكتابية، مكانها في علم المقارنة بين الأديان مرتبط بمكان الديانتين الأخريين وهما الموسوية والمسيحية، وتجري المقارنة بين الإسلام وبينهما فعلا في كتابات الغربيين، فلا يتورع أكثرهم من حسبان الإسلام نسخة مشوهة أو محرفة من المسيحية أو الموسوية!
والمسألة - بعد - مسألة نصوص محفوظة وشعائر ملحوظة، لا تحتمل الجدل الطويل في ميزان النقد والمقارنة وإن احتملته في مجال الدعوة والخصومة العصبية، ولا حاجة في المقارنة بين هذه الديانات إلى أكثر من ذكر العقيدة الإلهية في كل منها، للعلم الصحيح بمكانها من التنزيه في حكم الدين وحكم المعرفة النظرية.
إن المراجع التي تلقينا منها عقائد العبريين - كما يدين بها أتباع الديانة الموسوية إلى يومنا هذا - مبسوطة بين أيدي جميع القادرين على مطالعتها في لغاتها الأصيلة أو لغاتها المترجمة، وأشهرها التوراة والتلمود.
فصورة الإله في هذه المراجع من أوائلها إلى أواخرها هي صورة «يهوا» إله شعب إسرائيل، وهي صورة بعيدة عن الوحدانية، يشترك معها آلهة كثيرون تعبدها الأمم التي جاورت العبريين في أوطان نشأتهم وأوطان هجرتهم، ولكن «يهوا» يغار منها ولا يريد من شعب إسرائيل أن يلتفت إليها؛ لأنه يريد أن يستأثر بشعب إسرائيل لنفسه بين سائر الشعوب، وأن يستأثر شعب إسرائيل به لأنفسهم بين سائر الآلهة، وكان إذا غضب منهم لالتفاتهم إلى غيره قال لهم - كما جاء في سفر أشعيا الثاني: «بمن تشبهونني وتسوونني وتمثلونني لنتشابه؟» وكان النبي أرميا يقول لهم بلسان الرب إلههم: «إن آباءكم قد تركوني وذهبوا وراء آلهة أخرى وعبدوها وسجدوا لها، وإياي تركوا، وشريعتي لم يحفظوا ...» ثم يقول الرب: «... وأعطيتهم قلبا ليعرفوا أني أنا الرب، فيكونون لي شعبا، وأنا أكون لهم إلها.»
فلم يكن العبريون ينكرون وجود الآلهة الكثيرين غير إلههم الذي يعبدونه تارة ويتركونه تارة أخرى، ولكنهم كانوا يحسبون الكفر به ضربا من خيانة الرعية لملكها واعترافهم بالطاعة لغيره من الملوك القائمين بالملك في أرض غير أرضه وبين رعية غير رعيته، وإذا تركوا «يهوا» حينا من الزمن ثم آثروا الرجعة إلى عبادته فإنما يرجعون إليه؛ لاعتقادهم بالتجربة المزعومة أنه أقدر على النكاية بهم، وأن الآلهة الأخرى عجزت عن حمايتهم من سخطه وانتقامه.
وقد وصفوه في كتبهم المقدسة فقالوا عنه مرة: إنه يحب ريح الشواء. وقالوا عنه مرة أخرى: إنه يتمشى في ظلال الحديقة ليتبرد بهوائها. وقالوا عنه - غير هذا وذاك: إنه يصارع عباده ويصارعونه، وإنه يخاف من مركبات الجبال كما يخافها جنوده، وغبروا ردحا من الدهر وهم يسوون بينه وبين عزازيل شيطان البرية فيتقربون إليه بذبيحة، ويتقربون إلى الشيطان بذبيحة مثلها.
ومن تتبع نعوت «يهوا» من أوائل أيام العبريين في أوطان نشأتهم وأوطان هجرتهم، إلى أواخرها قبل عصر الميلاد المسيحي؛ لم يتبين من تلك النعوت أنهم وسعوا أفق العبادة لهذا الإله، ولا أنهم وسعوا مجال الحظوة عنده، بل إنه ليتبين من نعوته السابقة واللاحقة أنهم كانوا يضيقون أفق عبادته، ويحصرون مجال الحظوة عنده جيلا بعد جيل؛ فكان شعبه المختار في مبدأ الأمر عاما شاملا لقوم إبراهيم، ثم أصبح بعد بضعة قرون محصورا مقصورا على قوم يعقوب بن إسحاق، ثم أصبح بعد ذلك محصورا مقصورا على قوم موسى، ثم على أبناء داود وعلى من يدينون لعرشه بالولاء ... ومن ذريته كان ينبغي أن يظهر المسيح المخلص لهم في آخر الزمان. •••
وجمد العبريون على عقيدتهم الإلهية؛ فظل «يهوا» إلها عبريا يستأثر به أبناء يعقوب بن إسحاق، ولا يرجو الخلاص بمعونة منه إلا الذين يدينون بالولاء لعرش داود وذريته من بعده، فلم يتغير هذا الاعتقاد بين العبريين قبل عصر الميلاد المسيحي، ولم يأت التغيير فيه من قبل أبناء إسرائيل المحافظين على عقيدتهم الأولى، بل أتى هذا التغيير من قبل المصلحين المجددين في الدين اليهودي، وقام به من بينهم رسول مغضوب عليه في شرعتهم متهم بالمروق من زمرتهم، وهو عيسى ابن مريم، رضوان الله عليه.
وابتدأ عيسى ابن مريم دعوته الأولى مختصا بها بني إسرائيل دون سواهم من العالمين، وذكرت لنا الأناجيل تفصيل الحوار الذي دار بين السيد المسيح وبين المرأة الكنعانية التي توسلت إليه أن يخرج الشيطان من ابنتها، فروى إنجيل مرقص في الإصحاح السابع:
Página desconocida